يوم أُعْلِن تشكيل لجنة تحقيق في كارثة سيول جدة لم يكن الكثير من المواطنين يتوقعون أن يتواصل التحقيق والبحث عن المتسببين في تلك الكارثة، وأن الأمر سيصل إلى حد اعتباره إعلان حرب على الفساد الذي عشعش في الكثير من مؤسسات الدولة، وبالذات تلك التي تتعامل مع المال العام.
في خضم الغضب والتعاطف مع أسر الضحايا الذين فُقدوا نتيجة الإهمال وعمليات الفساد، الذي شاب تنفيذ مشاريع خدمات الصرف الصحي وتنظيم الأراضي والطرق في مدينة جدة، كان المواطنون يظنون أن الأمر لن يتجاوز تحقيقاً روتينياً ينتهي بصك إدانة لأشخاص تكف أيديهم ويعفون من أعمالهم، ولم يكن يتصور الكثير من المواطنين أن يصل الأمر إلى فتح ملف سنين مضت، ومشاريع مضى عليها وقت طويل، وتحقيق مع أشخاص لم يكن في السابق الاقتراب حتى من مناصبهم بالإدانة أو تسليط الأضواء على أخطائهم.
نهج جديد يرسي لثقافة كانت غائبة؛ ما أدى إلى اتساع دائرة الأخطاء، وأوقع بعضاً من النفوس الضعيفة في جرم الفساد المالي؛ فعندما تغيب المحاسبة العادلة تغري النفوس الذمم، ويسقط المرء في فخ الإغواء، وهذا ما تسبب في كارثة جدة.. وسوف تحدث كوارث أخرى إن لم يعتمد مبدأ العقاب لمن خان الأمانة، مثلما يطبق مبدأ الثواب الذي دائماً يكون حاضراً، في حين غاب العقاب طويلاً..!!
الآن، وما يصاحب التحقيقات الجادة التي تجرى لكشف ملابسات كارثة سيول جدة، تتم ترسية نهج هو إحدى ركائز النظام السعودي المستند إلى الشريعة الإسلامية، التي تعتبر الحفاظ على أموال المسلمين والتمسك بالأمانة من أهم السمات والخصائص التي يجب أن يتصف بها المسؤول، وأن خيانة الأمانة والاستيلاء على أموال المسلمين بغير حق يستوجبان العقاب، وألا يُكتفى بمعاقبة المسؤول وعزله بل إظهار ذلك للرعية حتى يتعظ غيره. هذا النهج وهذه الثقافة العدلية هما ما يؤخذ بهما الآن في مسار تحقيقات كارثة جدة التي أصبحت عنواناً لمرحلة العمل السعودي سواء في أجهزة الدولة أو في المؤسسات والشركات التي تعمل على الأرض السعودية.
***