حقق الموضوعيون من المثقفين والمثقفات الذين حشدهم مركز الملك عبد العزيز الوطني ليتناولوا واقع الخطاب الثقافي واختار له توقيتا ومكانا محملا بالدلالات والترميزات الهامة إذ احتضنت اللقاء مدينة الأحساء بكل سخائها وتنوعها وتعدديتها ونسيجها المتداخل والمحكم -حقق - الموضوعيون انتصارا ساحقا إذ صبت أطروحاتهم في منحى الحياة منتصرين لحقيقة الوطن الواحد والتنوع وضرورة التعايش والإقرار بحقيقة الاختلاف باعتبارها سنة كونية.
الذي يقرأ التاريخ بتمعن ووعي يدرك أن العصور الإسلامية - المصنفة بأنها عصور الصحابة ومن جاء بعدهم من التابعين - لم تنج من الاختلاف وأن أولئك الذين يعتقدون بامتلاكهم للحق دون غيرهم هم من أسالوا الدماء وقتلوا الصحابة !.
لذلك لابد من تهذيب هذا الفكر الأحادي الذي تكشف عنه بعض الخطابات التي استمعنا إليها عبر اللقاء، الذي يظهر لي أن بعضها مازال يحمل في طياته وإشاراته عنفا فكريا مخيفا يحتكر الدين ويخرج منه كل من خالف تفسيره وتأويله الخاص, ويتناسى أن النص الديني المتسامح الذي بدأ بعض العلماء بكشفه للعامة لا يقل قدرا عن النصوص التي يرتكنون إليها بل تزيد إذ إن النصوص المتسامحة تمنح السعة للخلق وتوطن صفة الرحمة التي انبنى التشريع عليها،وتحترم العقل والاختلاف !
أحسن صنعا مركز الحوار الوطني إذ بث هذه الجلسات عبر بث مباشر حيث استطاع الناس الإنصات لعدة اتجاهات في وقت واحد مما يكشف في أيها يكمن العنف وفي أيها يكمن التسامح !
كما أن إيمان بعض الخطابات بأن الوطن فضاء واسع ورحب وهو قادر على استيعاب هذه الاختلافات ولكن الأهم أن تقبل هي ببعضها بعضا وتسير بخطوط متوازية ليس بالضرورة التقاءها لكنها دوما تستحضر مصالح الوطن فلا تتجاوزه أوتتقاطع معه, هذا الإيمان يدفع بفكرة التعايش وضرورة التكامل من أجل مصلحتنا جميع ومصلحة وطننا.
الخطاب المنتصر هوالخطاب الذي ينطلق باتجاه الحياة وبرفقته الدين والوطن ويؤكد على حق الأجيال بمجتمع معرفي حديث, ويسرني أن أحجز في قطاره مقعدا لي وأتمنى أن تسارعوا أنتم أيضا بحجز مقاعدكم فيه مع أن مقاعده لاتنفذ أبدا لأنه قطار تغذيه السنن الكونية التي خلق الله عليها الكون ومن فيه.
fatemh2007@hotmail.com