بعد مرور أكثر من عام على بدء الأزمة المالية العالمية التي بدأت بأزمة الرهن العقاري في أمريكا بسبب عجز غالبية المقترضين من تسديد قروض شراء منازلهم، مازالت تداعيات الأزمة مستمرة وإن كانت تخبو ثم تطفو إلى السطح من فترة إلى أخرى
كما حدث مؤخرا من أزمة ديون شركة دبي العالمية. ومع هذه فلقد بدا جليا أن الاقتصاد السعودي نجا وبشكل كبير من تبعات تلك الأزمة، الأمر الذي شكل علامة فارقة ليس فقط لأن الأزمة في إطارها العالمي أطفأت البريق والهالة التي أحاطت بالنموذج الرأسمالي الغربي باعتباره الوصفة المثالية للتقدم والرخاء، ولكن لكونها بلورت تجارب الكثير من الدول التي طبقت نموذج حرية السوق ولكن مع الأخذ بالاعتبار مفردات البيئة المحلية. وكانت المملكة نموذجا يحتذى به في هذا الإطار وذلك من خلال سياستها الاقتصادية الشفافة التي اتضحت معالمها على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. وسعت هذه السياسة إلى استيعاب فائض الميزانية الضخم الذي تحقق من خلال عوائد النفط العالية باستخدامه من خلال مجموعة من المشاريع الطموحة التي من شأنها خلق بيئة استثمارية جديدة بديلة عن الاعتماد على مصدر دخل واحد يقوم على صادرات النفط، فضلا عن السعي الحثيث نحو دفع عجلة النمو الاقتصادي الداخلي بما يتلاءم مع إمكانية المملكة البشرية والمادية.. فكيف تحقق ذلك؟
يمكن القول: إن إستراتيجية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله التي قامت عليها النهضة الاقتصادية بالمملكة ارتكزت وبشكل أساسي على استثمار الأموال في الإنسان السعودي لأنه الثروة الحقيقية للوطن، ومن ثم فإن سياسة خادم الحرمين الشريفين الاقتصادية كانت تنصب في مدي الاستفادة المباشرة لأبناء الوطن من هذه المشاريع. ومن هذا المنطلق كان برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وهو برنامج طموح قل مثيله أو ربما كان الوحيد على المستوي العالمي الذي أتاح فرصا لآلاف الطلبة والطالبات للابتعاث للدراسة في الخارج وفى كافة التخصصات وتصرف عليه الدولة مليارات الريالات سنويا. واستكمالا لهذه الإستراتيجية الاقتصادية المعتمدة على تكوين البنية التحتية لمؤسسات علمية ذات مستوى رفيع ستمكن أبناء الوطن المبتعثين من المشاركة في تطوير البلد في فترة لاحقة و في كل النواحي كان افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي تعتبر درة العقد في منظومة خادم الحرمين الشريفين الاقتصادية المنبعثة من رؤيته في أهمية تكوين الكوادر الوطنية والتي ستتكون مؤهلة لانطلاق المملكة للمنافسة الدولية وتجعلها قادرة علي مواكبة كافة التطورات العلمية واللحاق بمصاف الدول المتقدمة.
كذلك فلقد اتجهت إستراتيجية المملكة الاقتصادية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله نحو الاستغلال الأمثل للمقومات الاقتصادية سواء كانت متمثلة في السيولة المتوفرة في القطاع الخاص، أو في الإنتاج النفطي الضخم، فضلا عن استثمار موقع المملكة الاستراتيجي كنقطة اتصال بين الشرق والغرب وذلك جنبا إلي جنب مع اعتماد أسلوب متميز في الإنفاق يتحاشى الاقتراض لسد العجز في الميزانية. ولقد خرجت هذه الرؤى الطموحة إلى النور مع عام 1425هـ ، حيث دشن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أول هذه المشاريع العملاقة الذي تمثل في إنشاء» مدينة الملك عبدالله الاقتصادية» في مدينة رابغ التي بلغت تكاليفها ما يقارب 100 مليار ريال. ولقد تم بعدها وبأمر وبرعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضع حجر الأساس لثلاث مدن اقتصاديه أخرى هي، مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل، مدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة، ومدينة جازان الاقتصادية، إضافة إلي مشروع اقتصادي ضخم بمدينة الرياض وهو مركز الملك عبدالله المالي.
ومع هذه المشاريع الضخمة فإن إستراتيجية المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم تغفل كذلك أهمية مشروعات البتروكيماويات التي تمثل عصبا اقتصاديا للمملكة، ومن هذا المنطلق أعلنت شركة أرامكو عن نيتها نحو إنفاق 60 مليار دولار لتنفيذ 144 مشروعا في مجال النفط والغاز حتى عام 2014م.
ورغم أن هذه المشاريع تتصف بأنها ذات عوائد طويلة الأجل ولكن سوف تتضح آثارها في القريب العاجل جدا، ولعل من أهم آثارها الايجابية الآنية هو أن كافة التقارير الاقتصادية العالمية تؤكد على متانة الاقتصاد السعودي وأداءه الممتاز ,اعتماده على إستراتيجية التطور عوضا عن إستراتيجية الطفرات التي تشهدها أسواق النفط من حين إلى آخر. ومن هذا المنطلق وعلى سبيل المثال لا الحصر ففي عام 1425هـ الذي شهد انطلاق الكثير من المشاريع الاقتصادية العملاقة في المملكة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ففي ذلك العام حققت المملكة قفزة هائلة في تنافسية دول العالم في بيئة الاستثمار والإعمال، حيث قفزت وطبقا لتقرير صندوق النقد الدولي من المرتبة السابعة والستين إلى المرتبة الثامنة والثلاثين ولتحتل المرتبة الأولى عربيا.
ولقد أشار تقرير آخر لصندوق النقد الدولي بأن المملكة لديها أعلى حزمة حوافز ضمن مجموعة دول العشرين (أكبر منظومة اقتصادية عالمية)، وطبقا لصندوق النقد الدولي فإن حزمة الحوافز هذه وصلت في عام 2009 إلى 3.3- من الناتج المحلي الإجمالي، فيما كانت في العام الماضي بنسبة 2.4%، هذا فضلا عن العوائد الحكومية التي وصلت في العام الماضي إلى مستوى جيد، حيث تجاوزت تريليون ريال، وهو أعلى رقم تحققه المملكة حتى الآن.
كما أدت السياسة الاقتصادية الحكيمة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى أن معظم الشركات السعودية- وفقا لدراسة أعدها كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني (ساب)- باتت تتوقع نموا في العائدات والأعمال خلال عام 2010م.
هذه الثمار الايجابية التي تحققت التي تمت الإشارة إليها سالفا، تبرهن بما لا يدع للشك على أن المملكة تسير بخطى حثيثة نحو الأمام، وبخطوات واثقة نحو اقتصاد قوي وحقيقي مسترشدة بوعي وحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود.
باحث إعلامي