Al Jazirah NewsPaper Monday  28/12/2009 G Issue 13605
الأثنين 11 محرم 1431   العدد  13605
الصين وكابوس القدرة الفائضة
مارك أ. ديويفر

 

في عام 1958، وهو العام المشئوم الذي شهد (قفزة الصين الكبرى إلى الأمام)، كان ماو تسي تونج قد وضع خطة كبرى لصناعة الصلب. ورغم أن الإنتاج كان في عام 1957 قد تجاوز الخمسة ملايين طن، فقد توقع ماو أن تتمكن الصين من اللحاق بالولايات المتحدة أو حتى تجاوزها بحلول عام 1962، فتنتج ما بين ثمانين إلى مائة مليون طن سنوياً، ثم تصل إلى إنتاج سبعمائة مليون طن سنوياً في منتصف السبعينيات، بحيث تصبح الصين رائدة العالم بلا منازع في مجال صناعة الصلب. وكان من المفترض آنذاك أن يتم كل ذلك باستخدام (أفران فولاذ صغيرة في الأفنية الخلفية)، والتي تدار بواسطة أشخاص عاديين لا يتمتعون بخبرات فنية خاصة.

واليوم تحقق حلم ماو في اللحاق ببقية العالم الصناعي، ولو بعد تأخير بسيط عن الجدول الزمني الذي اقترحه ماو، ليس فقط في مجال صناعة الصلب، حيث بلغت الطاقة الإنتاجية السنوية 660 مليون طن، بل وأيضاً في العديد من القطاعات الأخرى. ففي عام 2008 احتلت الصين المرتبة الأولى في صناعة الصلب (ما يقرب من نصف إنتاج العالم)، والأسمنت (أيضاً حوالي النصف)، والألمونيوم (حوالي 40% من الإنتاج العالمي)، والزجاج (31%)، وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر. وفي عام 2009 تفوقت الصين على الولايات المتحدة في إنتاج السيارات، وهي تحتل المرتبة الثانية بعد كوريا الجنوبية في صناعة السفن، حيث تنتج 36% من الطاقة العالمية.

ولكن بالنسبة للمخططين المركزيين في بكين، فقد أصبح حجم القاعدة الصناعية في الصين سبباً للانزعاج وليس الاحتفال. ففي وثيقة وافق عليها مجلس الدولة في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول، حذرت لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية من فائض خطير في الطاقة الإنتاجية في طائفة واسعة من القطاعات. (يُعَد مجلس الدولة، الذي يضم رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ورؤساء اللجان، السلطة التنفيذية الأعلى في الصين).

وطبقاً لأرقام لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية، فإن معدلات استخدام القدرة الإنتاجية في عام 2008 كانت 76% من الصلب، و75% من الأسمنت، و73% من الألمنيوم، و88% من الزجاج المسطح، و40% من الميثانول، و20% من السليكون المتعدد البلورات (المادة الخام الرئيسية في تصنيع الخلايا الشمسية). وتشير الأرقام الحالية أيضاً إلى استخدام أقل من 50% من معدات توليد طاقة الرياح المصنعة في عام 2010.

كانت مسألة القدرة الإنتاجية الفائضة على رأس أولويات مجلس الدولة منذ عام 2005، حين أصدر المجلس قيوداً على كل صناعة على حدة فيما يتصل بالمشاريع الجديدة وإغلاق منافذ الإنتاج التي لا تتسم بالكفاءة.

ولنتأمل هنا أنتاج الأسمنت، حيث يتم إنتاج 38% من كامل القدرة الإنتاجية، طبقاً لرابطة الأسمنت الصينية، بواسطة قمائن (الآبار). وكانت هذه القمائن تشكل عقبة في أغلب مناطق العالم لما يزيد على قرن من الزمان، كما كانت مسؤولة عن 3% من الإنتاج حتى قبل عام 1957، حين كانت أغلب مصانع الأسمنت في الصين مستوردة من أوروبا الشرقية. ولكن اليوم أصبحت هذه القمائن الخيار المفضل لدى الحكومات المحلية لأن بنائها غير مكلف وسريع، ولأنها تساعد في توليد النمو وفرص العمل. إن تأسيس اقتصاد ضخم والحد من التأثيرات البيئية في نفس الوقت ليس من الأولويات في نظر تلك الحكومات ببساطة.

وهناك موقف مماثل في صناعة الصلب، حيث بذلت الحكومة المركزية محاولات ناجحة متعددة لإغلاق الأفران الصغيرة. ففي عام 2006 على سبيل المثال، أصدرت لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية قائمة بالمصانع المطالبة بالتوقف عن العمل بنهاية العام التالي. ومع اقتراب الموعد النهائي في ديسمبر/كانون الأول 2007، قام مراسل (مايستيل)، والذي يشكل مصدراً محلياً رائداً للمعلومات عن هذا القطاع، قام بزيارة عدد من هذه المصانع لكي يرى بنفسه مدى تقدمها في تنفيذ عملية تفكيك المعدات التي أمرت بها الحكومة.

وكان ما شاهده هناك بمثابة مثال شديد الوضوح للكيفية التي قد تتم بها مثل هذه البرامج في الممارسة العملية. فقد وجد أحد المواقع يعمل على مدار اليوم بلا توقف؛ كما زار موقعاً آخر توقف عن الإنتاج إلى حين مرور الموعد النهائي. وفي حالات قليلة للغاية كانت المعدات قد أزيلت بالفعل.

ولقد أفصح المسؤولون والمديرون المحليون عن مجموعة متنوعة من الأسباب التي تمنعهم من الامتثال لأمر لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية. فقد فكر بعضهم في توسعة مصانعهم حتى لا يتم اعتبارها متدنية الكفاءة وهي حيلة محظورة صراحة بموجب اللوائح. وفي حالة الملكية الخاصة لهذه المرافق، فقد شعر الناس بأن إزالة مثل هذه الأصول تشكل انتهاكاً لقانون حقوق الملكية في الصين. وكان أحد المصانع خاضعاً لإدارة الدولة سابقاً ولكنه الآن يعمل بموجب عقد استئجار يرجع إلى عام 2001، ولقد ذكر مديره أنه لا يستطيع أن يستغني عن أي من العمال طيلة الأعوام العشرة التالية. وهناك أيضاً العديد من الولايات القضائية التي ألغت تصاريح المصانع المعنية، لذا فكأنها لم تكن ذات يوم موجودة، كما قال أحد المسؤولين عن التنظيم.

إن مشكلة الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين تكشف عن خلل خطير في (اقتصاد السوق الاشتراكي) الذي تتبناه الدولة. ففي العديد من الصناعات، لا تتمتع قوى السوق ولا جهات التخطيط المركزية بالقوة الكافية لفرض (التدمير الخلاق) على المنتجين الذين يفتقرون إلى الكفاءة. ونتيجة لهذا فقد تحقق حلم اللحاق بالبلدان المتقدمة تماما كما تخيله ماو وبدرجة مذهلة - بواسطة المستوى الأدنى من الكوادر وباستخدام تكنولوجيا بسيطة ضيقة النطاق.

إذا كان احتلال مرتبة الريادة على مستوى العالم في الإنتاج هو الهدف ببساطة، فقد تحققت رؤية الرئيس ماو بكل تأكيد. ولكن إذا كانت جودة الإنتاج، وحماية البيئة، والكفاءة الاقتصادية على نفس القدر من الأهمية، فنستطيع أن نقول بكل ثقة إن الحلم قد تحول إلى كابوس.

مارك أ. ديويفر يتولى إدارة صندوق وقاء كوانتراريان آسيا هيدج.







 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد