Al Jazirah NewsPaper Monday  28/12/2009 G Issue 13605
الأثنين 11 محرم 1431   العدد  13605
أنا لا أفهم!
عبد الرحمن الحبيب

 

في جلسات اللقاء الفكري، أعجبني تحديد الدكتور العزيز عصام السناني في موضوع هويتنا أنها ليست إسلامية فقط بل سلفية أيضاً، وبالصدفة فبطاقة هويتي انتهت صلاحيتها ذلك اليوم..

قلت مازحاً: طالما أنني لست سلفيا فهل سيتأخر إصدار بطاقة هويتي؟.

وبعدها عاتبني أحد المشاركين معتبراً أن تلك الطرفة تؤجج ما أسماه الشقاق الفكري.. أنا بالفعل لا أفهم ذلك المنطق، خاصة أنني أثنيت على وضوح السناني ثم أعلنت اختلافي معه ونقدي لفكرته وهذا حقي، كما هو حقه أن ينتقدني ويختلف معي، فما قيمة الحوار بلا اختلاف ونقد متبادل على قاعدة الاحترام؟

وقبل ذلك في بداية تلك الجلسات التي نظمها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الأسبوع الماضي، لم أتمكن من فهم تخوف أمين المركز المتألق دائماً فيصل بن معمر عندما وجهنا بأن لا تتضمن مداخلاتنا ذكر أسماء من ننتقد أفكارهم منعاً للصدامات. إذن، كيف سيتم الحوار؟ بين أسماء مبنية للمجهول.. بين أشباح؟ الصوتان المفردان لا يعملان حواراً على حد تعبير جيفي دالي. لذلك ومع جليل احترامي لإدارة الحوار، فقد أعلنت تمردي على هذا البند، وقلت لهم: إذا أردت أن تطاع فسل ما يستطاع.. كيف نستطيع التعليق على بعضنا البعض فيما جاء من أفكار إذا لم نسند القول لصاحبه.. على الأقل من ناحية الملكية الفكرية؟

أيضا، لم أفهم أولوية قضية عدم المصافحة من قبل قلة (ربما واحد أو اثنان فقط) حين أشار إليها أستاذنا الكبير عبد الله الغذامي بأن هناك من لا يسلم عليه.. صحيح أنه من المحزن أن يحجم أحد المشاركين عن مصافحة أحدهم الآخر، خاصة مع قامة ثقافية مثل الغذامي، لكن المصافحة ليست أولوية هنا..

نعم لم أستطع أن أفهم تذمر البعض مما أسموه الصدام أو الشقاق بسبب حالات نادرة من الحماس الزائد التي أظهرها قلة من المشاركين والمشاركات.. صحيح أنه كما عبر ستانلي هوروتز: لا شيء يخفض مستوى المحادثة أكثر من ارتفاع الصوت، ولكن هذه الحالات النادرة من الحماس لم تتجاوز الأدب، ولم تصادر وجهة نظر أحد، ولم يُتهم أحد لا بالتجريم ولا التخوين ولا التكفير ولا ما يقع تحت طائلة القذف.. فما المشكلة؟ أنا لا أفهم الضرورة التي طرحها البعض بأنه من الأساسي لنجاح الحوار أن نحب ونود بعضنا بعضا.. نعم تلك فضيلة رائعة لكنها ليست ضرورية للحوار، فأساس الحوار هو الاحترام المتبادل وليس المحبة أو المودة فتلك تكون بين الأصدقاء وليس الفرقاء المتحاورين.

نحن لسنا في مفاوضات سلام، ينتج عن عدم التوافق فيها تبعات أو عواقب خطيرة، ومن ثم يُطلب منا إجبارياً (رعاية للمصالح) أن نصافح بعضنا وأن نتوقف عن نقد بعضنا.. هذا حوار فكري مفتوح الذهنية واسع الأفق ومتنوع، والاختلاف فيه هو الطبيعي وهو الأصل من أجل تلاقح الأفكار والرؤى، فلماذا ننظر إلى النقد الذي نتبادله بيننا على أنه صِدام؟

وفي فكرة الصدام هذه، يعلن البعض حزنه واستغرابه من أن كل طرف من الأطراف، خاصة الطرفين الفكريين الأعلى صوتاً: السلفي والليبرالي، يريد فرض هيمنته على الطرف الآخر.. وهذا تصور واقعي، مبني على ما يحدث في المشهد الثقافي عموماً، ومواقع الإنترنت خصوصاً، ولكن ليس لهذا التصور ما يدعمه في اللقاء الفكري الذي حصل الأسبوع الماضي سوى شواهد قليلة. فمن المهم أن نميز بين ما يطرحه كل طرف ويؤمن به بحماس، وبين ما يفرضه على الآخرين ويلزمهم به، الأول طبيعي لا ضرر منه بينما الثاني هو الهيمنة المرفوضة.

وفي سياق عدم فهمي يأتي موضوع التوصيات التي تخرج بها اللقاءات، فلا أفهم ما تردده الأغلبية من تذمر لأن التوصيات لا تطبق أو أنها غير عملية.. وكأن تلك اللقاءات هي لجهات تكنوقراطية متخصصة ترفع توصياتها لأصحاب القرار أو لجهات تنفيذية كي تطبقها. وقد يسأل البعض ما فائدة تلك الحوارات، إذن؟ تأثير تلك الحوارات يأتي من خلال تأثيرها في الرأي العام والخاص وخلق مناخ فكري أكثر إيجابية وأكثر تفاهماً عبر المكاشفة والشفافية.. الحوار الفكري ليس هدفه الخروج بتوصيات عملية يطلب تنفيذها مباشرة، بل الغرض تبادل آراء ووجهات نظر تضيء طرق تفكيرنا وتزيد من تفهمنا لبعضنا، وعندما يخرج اللقاء الفكري بصيغ تفاهم وتوصيات أو ميثاق شرف، فإن الجهات المعنية عليها التزام أخلاقي معنوي في الاهتمام بتلك التوصيات، وليس عليها التزام نظامي لتنفيذها، فهي أصلا ليست توصيات تنفيذية بل رؤى فكرية.

في كل الأحوال، لقد أعاد اللقاء الفكري الأخير وهج الحوار الوطني الذي كاد أن ينطفئ بسبب تركيز اللقاءات في السنوات الثلاث الأخيرة على المواضيع الخدمية وتراجع المواضيع الفكرية. لقد أصبح مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني منارة مضيئة من المنارات الرائدة في وطننا في مجال تعزيز الدور المدني للفكر والثقافة وتنمية مفاهيم الحوار، ومن المهم تنمية هذا الدور عبر توجيه وإدارة الحوار الفعالة، لكي لا يكون حواراً من أجل البريق الإعلامي أو استعراض المهارات الخطابية.

إذ يلاحظ الزيادة الكبيرة في عدد المشاركين على طاولة الحوار حيث وصل إلى ثلاثة وستين مشاركاً ومشاركة, تتاح لهم فرصة الحديث ولكن لزمن قصير يصل إلى ثلاث دقائق، ويصعب تصور مشارك جهز لموضوعه بورقة علمية أن يطرح فكرته في هذا النزر اليسير من الوقت؟ فهل المقصود هو إتاحة الفرص الديموقراطية لأكبر عدد ممكن من المفكرين والمثقفين أم مجرد إرضائهم وتطييب خواطرهم بسماع أصواتهم «رفع العتب»، حتى لو تم ذلك على حساب سلامة ودقة أفكارهم؟ في تقديري أنه من المهم العودة لطريقة أوراق العمل البحثية للمشاركين بزمن لا يقل عن عشر دقائق، وإتاحة الفرصة للمداخلات بالدقائق الثلاث.

ومن الأساليب التي تجدد حيوية الحوار وتعيد زخمه هي طرح القضايا الكبرى الحساسة، والمصارحة والمكاشفة والشفافية في تناولها ليكون الحوار جريئاً ومنهجياً ومدعماً بمفاهيم الحوار الديموقراطي الإيجابي من خلال التعددية وقبول الآخر المختلف، وتنمية الروح النقدية، فالمصارحة ستمنح الحوار زخماً إعلامياً جاداً، بينما اختيار المواضيع الهادئة هي التي تفقد الحوار زخمه وتشيح الأنظار عنه.



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد