تساءلتُ قبل نحو اثني عشر عاماً في مقال نشَرتُه بمناسبة بدء العام الدراسي وقتئذٍ، عما أعددناه من مشروعات لإصلاح منظومتنا التربوية، بحيث تعينُ جيلنا القادم على مواجهة تحدّيات يومه وغده، وتُجنّبُه بعض الصعاب التي عاقت مسارنا التنموي، ليكون هو (فاعلاً) للتنمية لا (مستهلكاً) لها أو مُتفرجاً عليها، فحسب!
وقد برّرت سؤالي سالف الذكر بالقول إن الحديث عن التربية ليس وقفةً في محطة الزمن تلتقطُ فيها الأنفاس مع بدْء كل دورة جديدة للفلك التربوي، وهي ليست (مناسبة) تعْبر أجواء الذاكرة ثم تختفي بعد حين، كأسبوع النظافة والمرور والشجرة، نستنفر من أجله أوعيةَ الكلام مسموعاً أو مقروءاً.. فإذا رحلت.. المناسبة، رُفعت الأقلامُ.. وجفّت الصحفُ، وانتهى كلّ شيء، ونسينا كل شيء!
وزدتُّ على ذلك قائلاً إنّ التربيةَ قضيةُ هذا الجيل.. بكامله في كل يوم وليلة، أطفالاً وشباباً، رجَالاً ونساءً من كل شرائح الأعمار والتفكير حولها (مناسبة) يجدر أن تستقرَّ في أعماق الذهن وأن نتحدَّث عنها كل لحظة من كل يوم وسنة! لأنها تمسُّ ما يزيد على النصف من تعداد أهل هذا الوطن، سواء منهم مَنْ كان في سن الدراسة.. أو كان دون ذلك قليلاً، وهي كذلك همُّ النصف الثاني من أهل هذا الوطن، الأميِّ منهم والمتخصص!
ولذا، فإن الحديث عن التربية ليس كالحديث عن تجاوز سائق إشارة حمراء، رغم أن هذا التجاوز خطير قد يُؤدي بحياة بَريء، وقد يُرمّل ويُيتّم.. لكنه يظل حدثاً طارئاً، تكيّفه الصدفة ويمليه الخطأ! التربيةُ ليست حدثاً طارئاً، يُغيبُ وراء أفق الوعي، تقطن في قلب وعين الدائم، نعيشُ تداعياتها وآثارها لحظةً بلحظة عبر مسار حياتنا، لأنها مسألة تتعلق بتشكيل جيلٍ كامل سيرثُنا في هذه الأرض منجزاً وثروة وأداء!
ولذا أيضاً، يَبرزُ السؤال الصعب: ماذا أعددنا لهذا الجيل كي يذْكرنا ذِكْراً حسناً؟ ماذا أعددنا له.. كي يكونَ الوارثَ الأمينَ لما فعلناه؟ ماذا فعلنا من أجله.. كي يكون قادراً على إضافة الأجمل إلى ما أنجزنا، ويفاخر بنفسه.. وبنا، بين الأمم؟!
سيحاسبُنا هذا الجيلُ حساباً عسيرا إنْ نحن قصرنا في تأهيله لحمل شعلةِ المنْجزِ حضارة والموروث ثقافةً وأخلاقاً! لن يرحمنا التاريخ، تضامناً معه، إنْ نحن أخفقنا في ذلك! أخشى.. من فرط تقصيرنا، أن نفْقدَ احترامه لنا.. إذا ما صرنا إلى ما صار إليه أسلافنا، وآل هو إلى ما أُلْنا إليه.. يومَ ورثَنا أسلافُنا؟!
أقولُ ما قلتُ دون أنْ أنسى أو أجْهلَ مبادرة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أيّده الله، الذي جعل تطوير التربية والتعليم جزْءاً أساسياً من أولويات حُكمه الزاهر، فأسس لهذا الغرض برنامجاً طموحاً وَاعِداً بكل خير لأبناء وبنات هذه الأمة، وخصص له مشكوراً من المال واستنفر لخدمته من الرجال والنساء ما الله به عليم! والأملُ معقودُ بعد الله على الجهود التي تبذل حالياً، لتُؤْتي بإذن الله ثمارها خيراً ونماءً.
باختصار، التربية كما نقرأها في مبادرة سيد هذا الكيان.. قضية اليوم والغد، وسيرثها جيلُنا القادم بتراكماتها وإنجازاتها، وسيتحدث التاريخ عما فعلنا في
سبيلها ومن أجلها، إنْ عُسْراً أو يُسْراً!.