الكتابة في السير والتراجم من المواضيع المهمة الجميلة والحساسة في آن واحد، مهمة وجميلة لأن هؤلاء الأشخاص جزء من حياة المجتمع وتاريخه، كان لهم دور مهم في الماضي، ولا يزال لهم تأثير بسبب أعمالهم أو قراراتهم، وذلك بناءً على موقعهم من اتخاذ القرار، وكذلك أهمية وجوب أن تتضح الصورة للدارسين لفهم الأحداث التي كان للبعض دور في تسييرها أو كان شاهداً عليها، ومهمة أيضا لأن لهم تجربة في الحياة يجب أن توضع أمام القراء للاستفادة من تجاربهم، والعمل على تحفيز من بعدهم على العمل مثلهم، أو تجنب الأخطاء التي وقعوا فيها، وحساسة لأن الكثير ممن يكتبون السير يتعمد تشويه صاحب الترجمة أو السيرة أو عصره إن كان من المناوئين له أو العصر الذي ينتمي له، وعلى ذلك أمثلة كثيرة نشاهدها كل يوم في المكتبات من فضائح وغيرها تربط بسيرة هذا أو ذاك، أو أن تأخذهم العاطفة أو المصلحة فتكون كتابتهم لسيرة المترجم له غير متوازنة فتمجد صاحب الترجمة بما لا يستحق، وتتصنع له تاريخاً غير حقيقي، ودون دليل أو شاهد بل هو تزييف للحقائق وتزلف من أجل المال أو مصالح أخرى، وهذا لا يعني أن كل كتب السير من هذه النوعية أو تلك، بل هناك كتب سير ممتازة. ومما يثلج الصدر أن نرى كتب سير وتراجم كتبت بروح تبحث عن التوثيق والحقيقة لا عن التزلف والمصلحة، وهذا الكتاب الذي نتحدث عنه هنا هو كتاب صور من حياة رجل قام ابنه بجمع المادة العلمية لتلك الصور ووثقها بشواهدها، وذلك بعد أن غيبه الموت وأحس بفقدانه، فكان يدفعه للكتابة بره بوالده ورغبته في وضع هذه الصور المعبرة أمام الأبناء والأحفاد؛ ليستفيدوا من تجاربه، ولكي تبقى هذه الصور من حياة الشيخ غصين القحطاني ماثلة أمامنا، فرحم الله الشيخ غصين رحمة واسعة.
|
ولوصف الكتاب نقول: هذا الكتاب أتى في 134 صفحة من المقاس المتوسط بدأه المؤلف بمقدمة جميلة ذكر فيها أهمية هذه الشخصية، كما تحدث عن كيفية جمعه لمادة الكتاب وعن الصعوبات التي واجهته في إعداد هذا الكتاب، ثم تحدث عن مكان وتاريخ ميلاد الشيخ غصين بن عمر العاصمي فقال إنه ولد في هجرة الهياثم وذلك في حدود سنة 1338هـ، وتحدث عن أسرته، ووضع مشجراً يبين سلسلة نسبه، ثم تحدث عن الهياثم مسقط رأسه، ثم تحدث عن سمات شخصيته الرئيسية وصفاته التي عرف بها، وتحدث عن بحثه عن الذات من خلال بحثه عن المستقبل الأفضل والعزة والكرامة له ولأسرته في عصر قلّت فيه الفرص، إلا أن الله وفقه لمقابلة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي في حائل ثم التحاقه بالعمل هناك وإقامته في الشمال في مدينة حائل، وعرج بالحديث عن حائل وموقعها، ثم تحدث عن مسيرة والده العملية والمناصب التي تولاها، حتى تقاعده.
|
ثم إنه جعل بابا باسم (مواقف وأفعال) من صفحة 46 - 87، ذكر فيها 25 موقفاً توضح جوانب مهمة من شخصية الشيخ غصين بن عمر القحطاني.
|
وتحدَّث المؤلف عن إحدى صفاته المهمة التي برزت منذ صغره وهي الشجاعة والتحدي عندما قبل أن يتحدى أقرانه الذين هم أكبر منه سناً فيركب صهوة فرس الشيخ محمد بن سحمي بن حشر ويحاول قفز الغدير، مع ما فيها من مخاطرة كبيرة، ولكن شجاعة الصبي الصغير وقبوله لهذا التحدي كانا دليلاً على وجود الروح الطموحة التي تدفع صاحبها إلى أن يكون من الذين يتقدمون الصفوف ولا يهابون المخاطر، وهذا في ظني الذي دفعه للرحيل من بلده للبحث عن مجال ومكان آخر يظهر فيه قدراته ومواهبه، وكأني به وهو يفكر أو يتوارد له المعنى الذي في بيت أبو فراس الحمداني
|
ونحن أناس لا توسط بيننا |
لنا الصدر دون العالمين أو القبر |
وقد كان لصفاته القيادية والحنكة التي تحلى بها مع حُسن التدبير ما جعل الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي يثق به ويعينه أمير طارفة، ويوكل إليه الكثير من المهام التي نجح فيها نجاحاً يدل على موهبته وقدراته، ثم نصبه أميراً في عدة مراكز، منها سامودة وأم خنصر وموقق التي بقي فيها حتى تقاعده، وكانت صفاته القيادية ونزاهته وتواضعه قد جعلته محبوباً من أهالي المنطقة ومرهوباً من قبل أهل الطغيان؛ فانتشرت في المنطقة قصائد تعبر عن الرأي العام عما كان يقوم به الأمير غصين بن عمر العاصمي القحطاني من تطبيق للنظام وإنصاف المظلوم، وفي ذلك يقول أحد الشعراء مخاطباً امرأة ضعيفة مظلومة ويشجعها على تقديم شكايتها إلى الأمير لينصفها ممن ظلمها فيقول:
|
والله لو اشتكت لـ غصين |
لياخذ لها الحق مطبوقي |
رجل فهيم وشرعه زين |
سوٍٍ على من بغا البوقي |
كما قال أحد الأشخاص أبياتاً تشرح سبب توقفه عن الاعتداء على شخص آخر؛ وذلك هيبة واحتراماً للشيخ غصين:
|
والله يــا لـــولا الأمير غصين |
لاجــيـك مع هجعه النــاسي |
لا أخلي أمك تجـر البـــين |
وعقب الرجا تطوياليـاسي |
لا أضربـك ضرب يهد ألفيــن |
لا أضربك مع منصف الــراسي |
وذكر المؤلف عدداً لا بأس به من القصص الجميلة التي تدل على سياسته ودهائه في التخلص من المصاعب التي واجهته في أثناء تأديته لعمله، وكذلك عن كيفية حله للمشاكل دون الحاجة لمساعدة من الإمارة في حائل بل بموارده القليلة المتاحة تحت يده.
|
وقد تحدَّث الأستاذ خالد عن هوايات والده مثل القنص بالطيور وجمعه للأشياء التراثية واحتفاظه بها، وذكر أخباراً عن صبره واحتسابه وقوة إيمانه لما أصابه المرض ومن ثم انتقاله للعلاج في مدينة الرياض ووفاته ودفنه في مسقط رأسه الهياثم، وتأثير ذلك على أقاربه في الهياثم، ثم ختم الكتاب بالقصائد التي قيلت في رثائه، والخطابات التوثيقية من الأمراء والوجهاء الذين عرفوا الشيخ غصين وأثنوا عليه. ثم شكر المؤلف كل من قام بمساعدته في إخراج هذا الكتاب.
|
وفي الختام لقد استمتعت كثيراً بقراءة هذا الكتاب، وأدعو الجميع إلى قراءة هذا الكتاب، ويطيب لي أن أقدم تهنئتي لمؤلفه الأستاذ خالد بن غصين بن عمر القحطاني على هذا الكتاب الجميل الذي وفق فيه أيما توفيق.
|
|
|