تهيمن أفكار محددة على ما يكتبه الكاتبون عبر وسائل الإعلام، تدور في ملكوت التعليم، وتطوير العالي منه, ومنهاج التعامل مع المرأة، المنبثق من الثقافة القيمية الفاصلة بين المرأة، والرجل، العازلة بين أدائها وسلطته, وأدوار التقنية الحديثة، وبرامج إنجازاتها الفاعلة في تحديث أساليب الإدارة، والاقتصاد، ومواجهة الأزمات، وأحداث الساحات المختلفة، فنية وسياسية، ما يرضيهم من الموروث وما لا يرضيهم، وما يعجبهم وما لا يعجبهم، ومن معه ومن ضده, تحكمهم أهواء عابرة، ومؤثّرات طارئة، وهناك القليل القليل من الكتَّاب، الذين يعنون بأمر النفوس البشرية، والفضائل الأخلاقية، والمتع الروحية، والقضايا الإنسانية الخاصة والعامة، والمواقف الكبرى المؤثّرة والمغيرة في مدارات الحياة العامة، والبشرية على أوسع أبوابها.
والجميع يتبدى للملاحظ كأنه وهو يحمل قلمه ليكتب أنه يشحذ سكيناً، ويسن ساطوراً كي يهوي به على أديم المجتمع طرقاً جارحاً، وهجوماً لاذعاً، ونقداً متحاملاً، ويتجاهل الكاتبون أنهم السائقون لحافلات النقلات العديدة بأنواعها في عقول وأذهان ومفاهيم وقيم الذين يجلسون إليهم, ويرحلون خلف مقاود حافلاتهم.
مع أنه على مر الأزمان كان للأقلام أدوارها، ولأصحابها مهابتهم, ولوقع كلماتهم آثارها، فهي بين أيديهم المحراث والسكين، وهي المنجل والساطور، وهي الدلو والموقد، وهي الغاز والكبريت، وهي المطر والريح، وهي الظلمة والنور, وهي المجرى وحجر العثرة, فلماذا لم يعد منهم إلا الصوت أو الهمس..؟
ولماذا لم تعد صدورهم مكمن الزرع والضرع، والنبع والسحاب المطير..؟ وغدت مأوى الخشاش والجفاء, والجدب وبقايا القاع..؟
بجملة أكثر اختصاراً وأبعد دلالة: لماذا لم تعد للأقلام أفعالها..؟ وبقيت لها أقوالها..؟..
إنها قضية لا بد أن تشغل كل من هو موهومٌ بانشغاله بالقلم.