الكثير منا يعرف نادي روما الايطالي الرياضي وما حققه من انجازات في تاريخه الكروي على الصعيد المحلي والدولي، ولكن ما لا يعرفه الكثير أن هناك ناديا آخر بهذا الاسم، ولكن في مجال آخر، مجال الدراسات المستقبلية، ويعد من أشهر المراكز في هذا المجال على مستوى العالم الذي أسسه «اوريليو بتشاي والكسندر كنق»، ويضم النادي عددا من المهتمين بالبحوث العلمية والدراسات المستقبلية من مختلف البلدان، الذين يقومون بإعداد البحوث والتقارير، وإجازتها ونشرها، وهناك أيضا الكثير غيره من مراكز الدراسات المستقبلية في العالم التي تهتم بإعداد الدراسات والتقارير والبحوث المستقبلية، ومنها المراكز الحكومية والخاصة والبعض منها خيري، ومن أشهر تلك المراكز معهد هدسون الذي أسسه « هيرمان كان وانطوني فينر»، ويقدم هذا المعهد البحوث العملية المتخصصة في استشراف المستقبل لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك جمعية مستقبل العالم، التي أنشئت في أواخر الستينات في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعنى بقضايا وشؤون المستقبل، ومركز الدراسات المستقبلية بانجلترا، ومعهد الألفية بالولايات المتحدة الأمريكية وهناك الكثير والكثير من مراكز الدراسات المستقبلية في العالم الغربي، وفي المقابل يفتقر للأسف العالم العربي لمثل هذه المراكز المتخصصة، بل ينعدم وجوده في بعض البلدان العربية رغم أهميتها البالغة.
إن ما نعيشه من تحديات وتغييرات سريعة ومشاكل تحيط بنا، يحتم علينا الإعداد المسبق وبوقت كاف لكي نتمكن من محاولة التعرف على بعض تلك التحديات والمشاكل قبل حدوثها، ومن ثم التعامل معها بالأسلوب والطريقة المناسبة، بل نختار المستقبل المرغوب كما ذكرنا مراراً في المقالات السابقة، وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة لإنشاء مراكز متخصصة للدراسات المستقبلية، ووضع سيناريوهات متوقعة لكافة الجوانب، وتحديد السيناريو المرغوب، ووضع الآليات والقرارات المناسبة للتعامل مع كل سيناريو على حدة، ما هي الآلية والسيناريوهات المتوقعة والمرغوبة وكيفية الوصول إليها في مجال النفط والطاقة ومدى احتمالية نضوبه، وبدائل الطاقة، والوقود البديل المتوقع اكتشافه، والآثار المترتبة على ذلك، وفي مجال المياه، ما هي الآلية المناسبة للتعامل مع المستقبليات المتوقعة له، خاصة أن هناك بعض التقارير التي تنشر بين الفينة والأخرى عن نقص كبير في مخزون المياه الجوفية، وما هي السيناريوهات المتوقعة في مجال السياسي والعسكري، وما هي العمليات العسكرية المتوقعة في المنطقة، وما يترتب عليها من تداعيات وآثار، وخاصة في ظل العمليات العسكرية الدائرة حالياً في الجنوب، وفي مجال الاتصالات والتقنيات المتوقعة والمرتبطة بها، وكيفية الاستفادة منها، ما هي الشركات المتوقع دخولها إلى السوق، وما هي الآلية المناسبة للتعامل معها، وكيفية المنافسة، أنماط التفكير والسلوك لأجيال المستقبل ورغباتهم واهتماماتهم وكيفية التعامل معهم، وفي مجال التعليم، ومدارس المستقبل، والتقنيات التعليمية المتوقعة، واحتياجات الوطن والسوق مستقبلاً من المخرجات التعليمية، وفي المجال الصحي، ونسبة السكان وكبار السن والاحتياجات الطبية ونوعيتها، وغيرها من الجوانب المهمة التي يجب دراستها وإعداد السيناريوهات المناسبة لها، والآلية المناسبة للتعامل معها.
فحريٌ بالجامعات وكبار الشركات في وطننا الغالي كشركة الاتصالات السعودية، أو شركة سابك، أو ارامكو، أو موبايلي أو غيرهم، تبني فكرة إنشاء مركز وطني للدراسات المستقبلية، وليكن تحت مسمى «مركز الملك عبد الله للدراسات المستقبلية»، ويكون من أهدافه صياغة رؤى وسيناريوهات مستقبلية في كافة المجالات تستفيد منها الشركة نفسها ويستفيد منها قطاعات الوطن الأخرى، سواء كان ربحي أو غير ربحي «خيري»، وتوفير مرجعيات مستقبلية لصانعي القرار تساعدهم على اتخاذ القرارات السليمة التي تساهم في صنع السيناريوهات المرغوبة، واقتناص الفرص بالشكل المثالي، والاستفادة من الخبرات، والدراسات والأبحاث المستقبلية في المراكز والمعاهد العالمية، بالإضافة إلى المساهمة بفاعلية في نشر ثقافة استشراف المستقبل، وتنمية المهارات والخبرات العلمية وتأهيلها وتدريبها لإعداد الدراسات المستقبلية. والتعاون مع بعض مراكز الأبحاث في المملكة كمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والجامعات والمعاهد المتخصصة في إعداد الدراسات المستقبلية.