جميعنا تابعنا مناقشات مؤتمر المناخ العالمي في كوبنهاجن، البعض وجد في تلك المناقشات وحدة الطرح والتظاهرات التي كان يقوم بها ناشطون مؤيدون للحفاظ على البيئة، نوعاً من الترف السياسي، وأن هؤلاء الأشخاص الفوضويين الذين يتركون ديارهم ويطاردون قادة الدول ورؤساء الحكومات لينظموا المظاهرات ويفترشوا أرضيات الشوارع ويثيروا المشاكل، إنما لا شغل لهم ولا مشاغلة!!
هكذا يتصور الكثيرون، إلا أن مؤتمر المناخ العالي هو برأيي أهم محفل دولي للحفاظ على الحضارة الإنسانية، بل للحفاظ على الإنسان نفسه، فالاحتباس الحراري والتخريب البيئي الذي يمارسه الإنسان الغني والدول المتقدمة أوطان الأغنياء يحضر قبوراً للبشرية سيدفن فيها الإنسان قبل حضارته، ليس فقط ستنتشر ال(تسونامي) ولا ثورات سقوط الأمطار، ولا ثورات براكين الجبال، بل كل هذا سيحصل وستلاحق الكرة الأرضية الكوارث وتحيط بها.
تورد وكالة (أنتربريس) سيرفس تذكيراً لما يمكن أن يحصل للعالم من خلال التذكير بما كتبه الروائي الياباني كوماتسو ساكيو إذا ما واصلنا تخريب البيئة، ودمرنا مناخ الأرض.
يقول كوماتسو في روايته: (اليابان ستغرق خلال سنة) صدر هذا البيان الرسمي في طوكيو فور ثورة بركان جبل فوجي، وتوالت الهزات الأرضية العنيفة في كل أنحاء اليابان، وعليه فيجب إخلاء البلاد من أهلها، وعلى العالم مواجهة تحدي إيواء 110 مليون ياباني في أشهر قليلة، وكون اليابان لها فضل كبير على البشرية وأنها ذات سجل مشرف في تقديم المساعدات للبشرية فإنه قد جاء الوقت لرد بعض الدين..!! وهكذا شنت حملة تضامن لإجلاء 65 مليون ياباني بعد أن غرق 20 مليوناً من اليابانيين مع جزر اليابان، وفقد 25 مليوناً آخرين نتيجة الزلازل والفيضانات وغيرها.
ورد هذا السرد في رواية: (غرق اليابان) التي نشرت في عام 1973 في اليابان، وترجمت في فرنسا بعد أربع سنوات، وتخيل فيها كاتبها كوماتسو ساكيو الكوارث التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الظواهر الطبيعية، كتكرار دورة تحرك القشرة الأرضية في جوف المحيط وتكثفها.
لكنه بغض النظر عن الخيال، الواقع هو أن العالم يشهد فيضانات متزايدة وخطر غرق دول، جزر ومدن ساحلية، بسبب الأنشطة البشرية. ربما يحتاج العالم وقوع كارثة مثل التي تخيلها الكاتب الياباني لكي يدرك حتمية التوصل إلى اتفاق لمواجهة قضية الاحتباس المناخي.
هذا ولا يقتصر حجم الكارثة اليابانية الواردة في الكتاب على عدد الضحايا، وإنما ينسحب أيضاً على كافة مساحة اليابان ووجودها على سطح الأرض، وهي التي بدأت تتحدى الولايات المتحدة اقتصادياً في السبعينات.
لكن أخطار مثل هذه الكارثة تمس دول خط الاستواء جميعاً، لاسيما الصغيرة والفقيرة والتي تفتقر إلى القدرة على التعاون فيما بينها؛ نظراً لتشابه أوضاعها وتعرضها للكوارث.
والنتيجة هي أن الأزمة المناخية تضخم الفوارق القائمة بين دول العالم، ما يصعب مسار التفاوض على القضايا المناخية بل وكافة المفاوضات متعددة الأطراف، سواء كانت تجارية أو مالية وغيرها.
لكنه على عكس ما يجري في محافل أخرى، لا تتسم الدول الأكثر تعرضاً لتداعيات التغيير المناخي بنفس القدر من التماسك والتكافل.
فعلى سبيل المثال، تعرضت البرازيل إلى ضغوط المنظمات البيئية التي حثتها على الانفصال عن صف مجموعة 77 المكونة من 130 دولة نامية والمساهمة في المقابل في التوصل إلى اتفاق مناخي، فيما ابتعدت الصين عن هذه المجموعة بتفاهمها مع الولايات المتحدة على حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
أما الدول - الجزر التي تناضل من أجل البقاء على وجه الأرض، والبلدان الإفريقية التي تعيش خطر التصحر وفقدان الأراضي الزراعية والمحاصيل، فتفتقر كلها إلى القوة والنفوذ اللازمين للوقوف في وجه حسابات الدول الأكبر وقراراتها.
jaser@al-jazirah.com.sa