تمتلئ أقبية مقصورات العمل النسائية المعزولة هنا بكل أمراض عالم النساء، فمن المؤامرات الصغيرة إلى استخدام البكاء والتعاطف التلفوني كسلاح أحيانا مع الزميل الرجل من قبل بعض النساء إلى ضعف القدرة على اتخاذ القرار وضعف الثقة بالنفس ثم إلى الخضوع الكامل لصوت الذكر حين يأتي من الطرف الآخر
للمؤسسة.احدي المرات وكنت في زيارة لمسئولة كبيرة وإذا (مديرها) في ذات المؤسسة يطلبها على الهاتف ولتري التعابير القلقة والعبارات التلقائية تتدفق من فم المسئولة التي لم تعد تمثل دور الموقع وتماهت مع صورة المرأة التي ربيت عليها في مواجهة الرجل المسئول عنها ضمن اطر المجتمع التقليدي. كنت في حالة دهشة كاملة وأنا أنصت للمسئولة الكبيرة في حديثها مع رئيسها الرجل في ذات المؤسسة مجيبة إياه.. سم طال عمرك حاضر طال عمرك..!!
الذي حدث لنا كنساء أننا درسنا في مدارس معزولة عن العالم ثم انتقلنا للعمل في ذات المؤسسات المعزولة دون أن نمر بخبرة العمل العام الحقيقية التي يتلقاها الإنسان عادة عند دخوله سوق العمل المفتوح فنقلنا قلقنا وقلة خبراتنا وإمراض وسطنا النسائي لهذا العالم ودعم كل ذلك رجل فرح باستمرار سلطته واطمئنانه إلى انقيادية قطيعه النائم ضمن سلطات ومفاهيم الحماية الذكورية في مواجهة فكرة الضعف والمحدودية النسائية مع التأنيب المستمر للقطاع النسائي بقلة الخبرة والسذاجة والطفولية وافتقاد المهنية.
ما الذي يحدث لنا كنساء نعمل في هذه المؤسسات المعزولة عن العالم. درسنا في مدارس البنات المنفصلة ثم انتقلنا للعمل داخل هذه المؤسسات المنفصلة ويتوقع منا أن نعمل بمهنية تشابه في سماتها عقلية الرجال في سوق مفتوحة وضمن نطاق مناخ عام قابل وداعم.. كيف يمكن لهذا أن يحدث؟؟
لنحلل ذلك كما حصل على أرض الواقع
فرضت تقاليد العمل المؤسسية في المؤسسات السعودية منذ دخلتها المرأة أنماط محددة في العمل سمتها الرئيسة هي إتاحة الفرصة للنساء للتعليم والعمل ولكن في ظل سياسات الفصل التام بين الموظفين والطلاب رجالا ونساء وبالذات في المؤسسات التعليمية. وهي لكي تطبق ذلك على أرض الواقع أوجدت صيغا لأداء العمل يقوم على وضع المرأة الدارسة والعاملة ضمن جدران مؤسسة تكون خاصة بالنساء فقط تابعة للمؤسسة الرجالية الأم أو إذا لم توجد هذه المؤسسة (كما كان الحال مع الرئاسة العامة التعليم البنات عندما تم أنشاء كليات التربية للبنات وكانت هذه الكليات على المستوي الجامعي في حين كانت الرئاسة مسئولة عن التعليم العام للبنات فتم إيجاد وكالة الشؤون التعليمية لكليات البنات والتي قامت بإدارة كافة كليات التربية حتى تم نقل الأشراف عليها إلى وزارة التعليم العالي في السنوات الأخيرة) ومن خلال ذلك يمكن إيجاد الفريق الرجالي الذي يمثل سلطات صنع القرار العليا والميدانية وذلك لتسيير العمل في الخارج حيث تتملك هذه المجوعات الرجالية بحكم وجودها في الميدان الحركة والرؤية والصلاحيات الإدارية والمالية و ودعم المؤسسات السياسية والثقافية الحكومية لاتخاذ ما يلزم ولذا قامت بإدارة هذه المؤسسات النسائية من الدخل كما تتصور انه يحدث أو كما ينقل لها بواسطة العناصر النسائية التي تنظم تنفيذيا إجراءات العمل داخل جدران هذه المؤسسات النسائية المعزولة.
تدريجيا ومن خلال هذا التنظيم الذي وجد انه يحقق التوازنات الدينية والثقافية وفي ذات الوقت يحقق الشروط الحضارية بإتاحة الفرص لتعليم وعمل المرأة في المملكة نشأت أنماط عمل وأنماط اتصال أدارية يتم تداولها بين المؤسسات الرجالية والنسائية لتسيير العمل قائمة على فرضية التفوق الذكوري في الميدان العلمي والمهني وحيث أن الرجل كان له الأسبقية في الدخول لمجال التعليم والعمل وحيث انه هو فعلا من يتحرك في الميدان كانت له الأحقية لاتخاذ القرارات الرئيسية خاصة وهو يمتلك كل هذه الصلاحيات وكل هذا الدعم فكان لابد أن يتسيد المناصب القيادية التي تتيح له صنع القرار. ولأن الإنسان صنيع بيئته الثقافية فان هذا الرجل كان يري المرأة كزوجة وأم يحبها ويبذل حياته لحمايتها باتخاذ كل القرارات الكبيرة والصغيرة خاصة والمرأة آنذاك لم تكن تسلحت بالعلم أو التجربة التي تتيح لها القدرة على اتخاذ قرارات في هذا العالم الذي تغير فجأة في المملكة العربية السعودية بعد تبني خطط التنمية في عهد المغفور له الملك فيصل بدأ من عام 1970 فتم وضع المرأة الموظفة ذهنيا وتنميطها ضمن أطار النساء اللاتي يشرف عليهن الرجل ويعمل على حمايتهن ضمن سلطاته الأبوية حتى في بيئة العمل.
المرأة نفسها لم تكن قد تعودت على بيئة التعليم والعمل وهي الأخرى لن تخرج عن حدود تهيئتها الذهنية لأدوارها ضمن نطاق المجتمع الأبوي ولم توجد لها هي أنماط خاصة في العمل أو التفكير ذات علاقة بالميدان المهني لحداثتها على عالم العمل فجاءت لهذه المؤسسات من خلال تهيئة ذهنية لرؤيتها للرجل في حياتها أبا وزجا وولدا وحولتها لأنماط عمل تقوم على غلبة العنصر الذكر القادر المتحرك مقابل الموظفة المرأة المحاصرة ضمن نطاق البيئة المادية والثقافية المهنية.
هذه التركيبة المؤسسية الخاصة بالمملكة كمجتمع يقوم في بناء مؤسساته المهنية على الفصل بين الجنسين أوجد كما ذكرنا أنماط عمل تقوم على شغل مواقع صنع القرار العليا من قبل الرجال لوجودهم الفعلي في الميدان وقربهم وقدرتهم على التأثير في الإدارات الحكومية العليا ورجال السياسية الذين يصنعون أو يوحون بصنع القرار إضافة إلى قدرة الرجال بحكم تواجدهم في المجال العام على تلبية حاجات الظهور الإعلامي والرسمي.
وضع وظيفي كهذا أدي إلى تكريس ثقافة عمل مؤسسية تقوم على سرعة وعملية اتخاذ وتنفيذ القرار من قبل الرجال مقابل قلة الخبرة وضعف التأثير بغياب الاتصال المباشر بالقيادات للعنصر النسائي وهو جعل المرأة تابع ومنفذ إجرائي يعمل على تسيير العمل داخل المؤسسات النسائية على المستوي التنفيذي لكنها لا تمتلك صنع القرار ألا في بعض الأمور التنفيذية اليومية كما لا تمتلك أي استقلال مالي أو قدرة على التصرف الحر في ما تملك المؤسسة من موارد بشرية أو مالية ألا بعد العودة للرجال في الإدارات العليا داخل المؤسسة التي تعمل بها.
اليوم بدأ التغير الواضح وخرجت الكثير من النساء السعوديات عن الطوق وامتلكن خبرة لا بأس بها في مجال العمل المهني لكن ثقافة هذه المؤسسات التي ترسخت في أذهان القيادات الرجالية وتحولت إلى أنماط عمل متعارف عليها تقف حجر عثرة حقيقة أمام رغبة هذه المؤسسات في أعطاء المرأة فرصا موازية وتحقيق التميز المهني والأكاديمي بالاستخدام الأمثل لكل الطاقات البشرية والمادية المتاحة للمؤسسة مما يعني أننا جميعا رجالا ونساء بحاجة إلى مراجعة أساليبنا في إدارة منشئاتنا التي تعمل بها النساء وإيجاد محكات يرجع لها تعمل على تحقيق التوازن في حجم وقوة المسئوليات والصلاحيات بين العاملين والعاملات في هذه المؤسسات بما يحقق المساواة في فرص العمل و في هذه الصلاحيات والواجبات المعطاة لكل موقع في المؤسسة لا على أساس الجنس وتقاليد العمل المتبعة منذ دخول المرأة السعودية ميدان العمل بل حسب الكفاءة والجهد وبما يحقق مصلحة العمل.