ورث عن والده مالاً وفيراً وقصراً منيفاً، وقد شدّد عليه والده في وصيته أن لا يغادر القصر مطلقاً ففيه ما يحقق له العيشة الهانئة والحياة السعيدة، وبعد سنوات تفيأ فيها ظلال الراحة وتقلّب بين أعطاف النعيم تبدّل حاله وضاق بالوحشة وملَّ من الوحدة, فبدا له أن يتجول في الغرف المهجورة في أطراف القصر، وعندما دخل إحداها لم يجد فيها سوى زنبرك قديم مغبّر، حمل الزنبرك وأخذ يعبث به في حديقة القصر، وبينما هو يلعب به فرحاً جذلاً إذا به يقفز قفزة قوية تحمله إلى خارج القصر، وقد وجد ما لم يهجس به خاطر ولم يجرِ في ظن ولم يقع في خلد! حيث هاله ما وجد في خارج القصر من جمال الحياة وفسحة الكون!
|
كثير من الناس للأسف مثل هذا الشاب، يظن أن حاله أفضل حال ووضعه أروع وضع، قد أسر نفسه في إطار ضيق وكبلها بقيد متين وحرمها من الانفتاح والتطوير والتجديد فحياته تسير على وتيرة واحدة وبنظام لا يتغير وبأساليب بالية مغبرة, مشاكله تتزايد والفرص تمر عليه فلا ينتبه وعلاقاته تتردى فلا يكترث, إخفاقاته تكثر فلا يتحرك, رتابة وتعاسة وملل, لا يريد أن يبذل جهداً أو يفارق هوى, يلازمه شعور داخلي بالدونية والضآلة كل هذا بسبب تكلس الأفكار وتحجر الرؤى
|
إني رأيتُ وقوفَ الماءِِ يُفسِدُه ُ |
إن ساحَ طابَ وإن لم يجر لم يطبِ |
والأُسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست |
والسهمُ لولا فِراقُ القوسِ لم يُصب |
يقول الكاتب الرائع فيليب ادامز: (يستطيع أغلب الناس القيام بأشياء رائعة وجميلة إذا قاموا بمخاطر محسوبة لكنهم للأسف لا يفعلون! إنهم يسترخون إلى شاشات التلفزيون ويتعاملون مع الحياة كأنها سوف تستمر للأبد!) ودائماً ما نسمع الكثير يرددون جملة (الله لا يغير علينا) وهذا فهم خاطئ للأمور وتسطيح لها، فالعاقل يردد: (الله يغير علينا للأفضل) ويعمل ويبذل من أجلها، وهناك من يعيش في حال مزرية وهو يدرك حاله السيئة وأوضاعه المتردية ولكنه خامل الهمة خامد الفطنة رديء العزيمة، ولو جرب أن يتجاوز تلك المنطقة الرديئة التي تسمى (منطقة الأمان) لوجد الحياة غير الحياة!
|
والسؤال الحاضر هو لماذا لا يتغير الناس؟ وأحسب أن من الأسباب ما يلي:
|
1 - عدم استشعار روعة التغيير نحو الأفضل وجمال التجديد.
|
2 - البقاء في سجن الماضي وأسر التجارب القديمة السلبية.
|
3 - شح المحفزين وقلة المشجعين، بل وكثرة محاربي النجاح وأعداء التجديد.
|
4 - الكسل وقلة التوفيق وعدم الاستعداد لدفع فاتورة التغيير.
|
5 - عدم استشراف المستقبل وما ستصير عليه الأمور عند التغيير أو حال عدم التغيير أو ما يُسمى بقانون (المتعة والألم).
|
6 - ارتخاء الحبال مع السماء وضعف العلاقة مع العزيز وثمرة هذا ذهول تام عن الفرص المتاحة وعن استغلال القدرات (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ).
|
|
|