فإذا سرنا على موجب هذه النصائح تعيش المجتمعات الإسلامية في الرخاء والسخاء والسكينة.
كان الناس قديماً يتراسلون بالقراطيس الخطية فيما بينهم للاطمئنان، ونقل الأخبار، ومصالح أخرى، مع ما يحدث من المشقة في إعداد الرسالة من كتابة وإرسال عبر وسائل النقل القديمة كالجمال، وبعد أن ظهرت الصناعات واستحدث (البريد) أصبحت الرسائل تصل بعد يوم بمظروف مكتوب يسلمه صاحب البريد بعد أخذ توقيع المستلم، أما الآن ومع ظهور (الجوال) فتصل الرسالة في لحظة واحدة، المرسل والمرسل إليه كل في مكانه، ما عليهما إلا أن يحركا أطراف أصابعهما بالإرسال أو الاستقبال، بل يرسل عبر الجوال للآلاف من الناس بزر واحد، ولسهولة الرسائل بهذه الطريقة بدأ الناس يتراسلون بكثرة لأهداف عديدة، ومن تلك الأهداف، تقوية أواصر الإخاء والمحبة، وهذا شيء رائع، ولكن المشكلة أن أكثر الرسائل لا قيمة لها ولا روح فيها، حيث إنها من الأرشيف، فالنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة، لأنك تستقبل عدداً من الرسائل وترسلها كما جاءت (أشبه بالتعميم) وتأتيك رسالتان أو أكثر من أشخاص عدة ونصها واحد (مكرر) وتأتيك رسالة بصيغة المؤنث (عدم معرفة الضمائر) وقد حدثني أحد الاخوة قائلاً: جاءتني رسالة مما أعرف يقول فيها أخبرك أني خرجت من المستشفى، وأشكرك على زيارتك، وأنا لم أزره (عدم التمييز بين الزائر غيره، لأنها لأكثر من شخص).
إذاً أغلب الرسائل خالية من المشاعر المرهفة، والأحاسيس الصادقة، رسائل مكررة، رسائل من الأرشيف، مشاعر معلبة، نستقبل ثم نرسل وهكذا.. وفي المقابل تأتي رسائل مشرقة من أفراد أمتنا، فيها تذكير وتحفيز، وإخاء ومحبة، ونصح وإرشاد، حتى وإن دارت تلك الرسالة، فمصدرها ومنشأها، أنامل متميزة من أبناء هذا الوطن، وقليل ما هم.
ومن الرسائل التي تقوي روابط الإخوة رسائل دعوة الزواج وغيره، ولكن المشكلة في الإرسال حيث إن بعض الرسائل ترسل إلى جميع الأسماء التي في قائمة جواله، ولا يدري لمن ذهبت إليه، كالدعوة بالبطاقات، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب التوحيد (دعوة البطاقات إذا أرسلتها إلى الناس ولا تدري لمن ذهبت إليه، فيمكن أن نقول إنها تشبه دعوة الجفلى، فلا تجب الدعوة) ومن الرسائل الغريبة التي حدثني أحد الاخوة فيقول: جاءتني رسالة من شخص أعرفه يقول فيها (لا تنس الصلاة على فلان الميت! وهو يبعد عني ألف كيلو!! وأنا لا أعرف الميت لا من قريب ولا من بعيد، وقد أرسلها قبل الصلاة بثلاث ساعات)، فأصبحت الرسالة أشبه بالنعي على الميت.
ومن الرسائل تلك الرسائل المزعجة الاقتحامية التي لا دخل لك فيها، وليست من اهتماماتك، وأمثلتها كثيرة، منها (أقوى المقاطع الفكاهية لتحميل المقطع أرسل رقم المقطع..) وأيضاً (لأكبر اهتماماتك أرسل رقم 1 إلى...) وأيضاً (يلا فله دردش وتسلى مع دردشات ب75 هللة للرسالة أرسل كلمة شات ل....) وأمثلتها كثير، فعلى شركات الاتصالات تقوى الله عز وجل، حيث إنهم مؤتمنون على أرقام جوالتنا من الرسائل المزعجة غير المرغوب بها. مع أملي في تكثيف وتقوية الحملات ضد الرسائل الاقتحامية.
أخيراً أيها القراء: نحن بحاجة إلى ثقافة الرسائل والتعامل معها كيف نرسل؟ ولمن نرسل؟ وما الهدف من الرسائل؟ لابد أن نستشعر ما نكتب، ونصدق فيما نقول، حتى تأتي الرسائل أكلها وثمرتها وقيمتها، فتحدث بعد ذلك شعوراً من الحب والتميز، لا أن تكون رسائلنا باهتة، عشوائية، فنقوم بمسحها قبل إتمام قراءتها، وكم من رسالة ذهبت أدراج الرياح لا قيمة لها، ولا ننسى أيها الاخوة الفضلاء الرسائل المتميزة الصادقة التي تدل على معنى، فتبقى في جهازك بل في قلبك.
إذاً أيها الإخوة نحتاج إلى مزيدٍ من المعرفة في فن الرسائل والمراسلات وإلى اللقاء.
* خطيب جامع ابن عثيمين بالخبر
abohafz1@hotmail.com