Al Jazirah NewsPaper Friday  25/12/2009 G Issue 13602
الجمعة 08 محرم 1431   العدد  13602
عدد من العاملين في الساحة الإسلامية يحددون لـ (الجزيرة) كيفية التصدي لها :
تفخيخ عقول الشباب بالفتاوى الشاذة

 

الجزيرة - خاص :

يتعرض الشباب المسلم اليوم لتيارات منظمة تستهدف دينه وعقيدته، سواء من الأعداء الذين لا يضمرون الخير للإسلام والمسلمين، أو من بعض المسلمين الذين تاهت عقولهم، واختلفت المقاييس لديهم، فأعطوا الآيات القرآنية، والأحكام الشرعية غير معانيها المحكمة، وجعلوا من بعض الشباب حرباً على أوطانهم وأهليهم.. كيف يمكن التصدي لمثل هذه الحرب المزدوجة؟

طرحنا هذه القضية على عدد من العاملين في الساحة الإسلامية..فماذا يقولون؟!

شحن الشباب.

يقول د. جمال المراكبي - رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر: إن العالم الإسلامي اليوم يعاني من وجود العديد من الجماعات المتطرفة التي تقوم باستغلال التجمعات الشبابية، وتقوم بشحن نفوس شبابنا للتمرد على المجتمع، وتحثهم على ضرورة تغيير واقع المسلمين اليوم بكافة الوسائل والطرق الشرعية وغير الشرعية.. وعلى الجانب الآخر نجد التيار التغريبي المنبهر بالغرب والذي يريد أن يخلعنا من ديننا وينقل إلينا الأفكار والقيم الغربية المخالفة لقيمنا وأخلاقنا الإسلامية.

ويمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى وجود تلك التيارات المنحرفة في النقاط التالية:

1 - عدم وجود مشروع حضاري عربي إسلامي تستثمر فيه طاقات الشباب.

2 - غياب العلم الشرعي والوعي الفكري عن كثير من هؤلاء الشباب وذلك نظراً لابتعاد الدعاة والعلماء عن المسائل والقضايا التي تهم الشباب وتشغل تفكيرهم.

3 - حالة التنافر والفرقة والانقسام بين كثير من الأنظمة العربية والشعور بالعجز أمام الهيمنة الغربية مما يؤدي إلى اتهام كثير من الأنظمة العربية بالخيانة والعمالة أو الضعف والعجز فيبحث الشباب عن مشروع كبير يستوعب طاقتهم فلا يجدون إلا المشروع الجهادي التكفيري أو المشروع الغربي الانبطاحي فيصبح الشباب بين مطرقة التكفير وسندان التغريب.

1 - حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الشباب اليوم والتي تغلق أمامهم الخيارات والحلول التي تجعلهم يتغلبون على العوائق التي تواجههم مما ينتج عنه التفكير المتطرف لعلاج تلك المشكلات.

كيف السبيل؟! لا شك أنه يقع على عاتق الأسرة دور مهم في حماية الشباب من تلك التيارات المنحرفة فالواجب على الآباء متابعة أبنائهم ورعايتهم واختيار الصحبة الصالحة لهم والحرص على عدم انجرافهم مع التيارات المنحرفة والمشبوهة، كما يجب على القائمين على وسائل الإعلام أن يشغلوا أوقات الشباب بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع، وكذلك يجب على القائمين على التعليم في العالم الإسلامي أن يقوموا بتكثيف العلوم الشرعية التي تعلم الطلاب عقيدة أهل السنة والجماعة وتكون لهم كحائط صد منيع ضد تلك التيارات المنحرفة التي تقوم بالتغرير بالشباب واستغلالهم استغلالاً سيئاً.

مؤثرات خارجية

ويؤكد د. أحمد الدبيان مدير المركز الإسلامي في لندن: إن مشكلة استغلال الشباب وحماستهم في التوجه الفكري مشكلة قديمة. وهم دائماً مبدأ الحملات الفكرية ومنطلق التغيير في أي مجتمع وفي أي مكان. وأعتقد أن الظاهرة اليوم في وقوع بعض الشباب المسلمين تحت تأثير مؤثرات خارجية هو أمرٌ لا يمكننا أن ننسبه دائماً لوجود مؤامرة من منظمات وتيارات فاسدة، مع قناعتنا بوجود جهات معينة من هذا النوع تستهدف هؤلاء الشباب، ولكن عزو ذلك كله إلى هذه الهيئات تبسيط للأمور!

إن من أخص سمات هذا العصر أنه عصر التأثير والتأثر، ولم يسبق لعصر في التاريخ كله أن كان بهذه الدرجة من التواصل وتلاقح الأفكار كالذي نراه في زمننا اليوم. وطبيعي أن سبب ذلك هو التقدم التقني في الاتصالات العالمية ووسائل السفر وقنوات نقل المعرفة. والشباب في أي مجتمع هو أنشط الفئات وأكثرها فعلاً وردّ فعلٍ... ومن الطبيعي أن يتأثروا بما يحدث.

تستغل هذا التواصل كل الأمم لنشر ثقافتها وعلمها وتدعو الفرق إلى مبادئها وهناك من يهدف إلى زعزعة ثقة الجيل الجديد بموروثاته من قيم ودين وتقاليد... ومن تزعزعت ثقته سوف يكون غير متفقٍ مع مجتمعه بلا شك، ويبدأ الخلل هنا على هيئة صراع فكري.

إن من أعم الوسائل التي تسلك في مواجهة صراع الفكر أن يكسب المرء الثقة بما لديه، وهذه لا تتحقق إلا في التربية والتعليم. كما أن من نتائج كسب الثقة أن يحس المرء أيضاً بالانتماء إلى وطنه وتراثه وكل ما لدى مجتمعه من دين وثقافة نافعة. وهذه أيضاً لا تتم إلا عن طريق التربية والتعليم الموجه بصورة حقيقية وثرية من الصغر وعمر الطفولة. ولعل مما يعيب مناهج التعليم كثيراً أنها تلقن المادة العلمية بعيداً أحياناً عن روح الانتماء الفكري والثقة بالذات والوعي بمساحات الثقافة الإسلامية والعربية بصورة حقيقية تجعل المرء يحس بروعتها وقدرتها وينتمي إليها... ومن لم يكن كذلك فلا يمكن أن تلومه لتأثره بالآخرين كثيراً.

وهنا مطلب مهم في هذا الحديث وهو أن بعضنا لديهم من شدة المحافظة والحرص أن نبالغ في رفض كل تأثير وتأثر، ونعده شراً، مع أنه يوجد في العالم كثير من الخير وحتى في المجتمعات الأخرى هناك قيم جيدة لا تتعارض مع ديننا ومنظومة القيم لدينا. وبعضها قد يكون مطبقاً لديهم بصورة أفضل كقيمة الالتزام بالعمل والاستفادة من الوقت... وهذا الرفض المستغرق جداً لكل ما لدى الآخر قد يولد لدى الجيل الجديد من أبنائنا مع طول الزمن رفضهم لجميع موروثات المجتمع المحافظ.

أما إعطاء القرآن الكريم والآيات غير معانيها فإن سبب ذلك هو عدم الارتباط بالأصول العلمية الصحيحة، ومن تجربتي الخاصة لم أسمع شخصاً خرج في تأويل الآيات عن معانيها، وحملها غير المراد بها، أو استعملها في شبهة.. إلا وجدت سبب ذلك هو ضعف الارتباط بأصول العلم الشرعي، وأخذه من مشاربه المعروفة والتي درجت عليها الأمة وسلفها الصالح، أو ضعف في اللغة العربية وفقهها وأساليبها، وهي اللسان الذي نزل به كتاب الله تعالى.

الفتاوى الشاذة

ويبين د. عبدالغني أكوريدي عبدالحميد الأستاذ بجامعة الحكمة ومؤسس مركز الاستقامة الإسلامية بنيجيريا: إن ظهور الانحراف الفكري عند بعض شباب الأمة اليوم لتيارات مخططة ومنظمة تستهدف دينهم وعقيدتهم ومجتمعهم.. فتصدى هؤلاء لأعمال العنف والإرهاب والتخريب والتدمير وغيرها من الجرائم المحرمة التي تعتبر في شرع الإسلام من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رتب الشارع الحكيم عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم.

فمصدر هذا السم: الأعداء الذين لا يضمرون الخير للإسلام والمسلمين، وبعض المسلمين الذين تاهت عقولهم، واختلفت المقاييس لديهم، فأعطوا الآيات القرآنية، والأحكام الشرعية غير معانيها المحكمة، وقد أدى هذا إلى تسلل الخلل إلى أذهان بعض المسلمين وخاصة الشباب منهم في فهمهم لبعض النصوص الشرعية ومقاصدها، وذلك كبعض النصوص الواردة في الجهاد والولاء والبراء وأخذ بعض الفتاوى الشاذة المضللة. وكان من نتائج هذا الخلل الخطير ظهور فئات مغالية في الدين، ساقها الجهل إلى تفريق الأمة في دينها، وذلك من أخطر الفتن على المسلمين: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (سورة الأنعام: 159).

وقد أساءت هذه الفئة من شباب الأمة إلى الإسلام، مما جعل أعداءه يجترئون على النيل منه، ومن نبيه صلى الله عليه وسلم ويطعنون في كتاب الله الكريم... تعرض الشباب المسلم اليوم لهذه التيارات لأسباب منها ما يعود إلى المنهج العلمي كالتأويل واتباع المتشابه، أو إلى المنهج العملي كالتعصب ونحوه وتحديد الأسباب ومعالجتها، عمل علمي يجب أن يتوافر عليه مختصون، يدرسون الواقع عن علم، فلا تكون الأقوال ملقاة على عواهنها. وقد لوحظ أن هناك كثرة الخلط في الكتابات عن أسباب الغلو مما يستدعي دراستها بعلم ورشد ووضع السبل لمعالجتها في مقدمة هذه الأسباب:

أ - اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية وأخذ الفتاوى والتوجيهات ممن لا يوثق بعلمه أو دينه، والتعصب لها مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن وشيوع الفوضى وتوهين أمر السلطان الذي به قوام أمر الناس وصلاح أمور معاشهم وحفظ دينهم.

ب - التطرف في محاربة الدين وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء والتصريح بإبعاده عن شؤون الحياة، والتغاضي عن تهجم الملحدين والمنحرفين عليه وتنقصهم لعلمائه أو كتبه ومراجعه وتزهيدهم في تعلمه وتعليمه.

ج - حرمان شباب الأمة من الدين الصحيح المستند إلى الكتاب والسنة وأصول الشرع المعتبرة على وفق فهم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين. فمتى حُرِّموا من العلم بالدين والعمل به في بعض المجتمعات الإسلامية تفرقت بهم السبل وتلقفوا كل خرافة واتبعوا كل هوى مطاع وشح متبع.

د - نزعة التسلط وشهوة التصدر التي قد تدفع ببعض المغامرين إلى نشر الفوضى وزعزعة أمن البلاد، تمهيدا لتحقيق مآربهم غير آبهين بشرع ولا نظام ولا بيعة.

هـ - الظلم الاجتماعي في بعض المجتمعات وعدم التمتع بالخدمات الأساسية كالتعليم والعلاج والعمل، أو انتشار البطالة وشح فرص العمل، أو تدهور الاقتصاد وتدني مداخيل الأفراد.

و - عدم تحكيم الشريعة الإسلامية في بلاد غالبية سكانها من المسلمين وإحلال قوانين وضعية محلها مع وفاء الشريعة بمصالح العباد وكمالها في تحقيق العدالة للمسلمين وغيرهم.

الحرب المزدوجة

وأكد د. أكوريدي أن على العلماء والأئمة والخطباء والدعاة التصدي لهذه الحرب المزدوجة، باستشعار مسؤولياتهم أمام الله، والذي يتخلص في تعريف الناس بأحكام الإسلام، بعيدا عن الأهواء، وتأصيل صلة الإنسان بربه، وإحسان علاقته مع خلق الله، والسعي في منفعتهم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)، وأن الدعوة إلى الإسلام دعوة تعتمد على بيان الحق، وحسب وسائل يجب التقيد بها، وتبصير الأجيال بها، وتعريفهم بخطر الانحراف عنها {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (سورة النحل: 125).

وأن استعمال الرفق والحسن في الخطاب والاعتدال بين الإفراط والتفريط أمور لازمة لمن يقوم بالدعوة: (لو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك)، كما أن ظهور فئات تقتحم مجالات الفتوى بغير علم مما يوجب على العلماء القيام بواجبهم في التشاور وبيان الحكم الشرعي في كل ما يهم المسلمين، وعقد لقاءات لمناقشة القضايا المهمة التي تعرض للمسلمين، وإعطاء الرأي الصحيح فيها، ونشره بين الناس، مستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يضيق مجال الآراء الفردية المتعارضة التي تسهم في الفوضى والقلق بين المسلمين، إضافة إلى أن رسالة الإسلام تتسم بالشمول والتكامل، وتراعي أولويات الناس، وحاجات الإنسان، وهذا يستدعي من الأئمة والخطباء والدعاة مراعاة ذلك في خطبهم ودروسهم، التي ينبغي أن تضبط مصطلحاتها بضوابط الشرع التي سار عليها سلف الأمة الصالح، مع الأهمية والواجب التنسيق بين المنظمات الإسلامية وأئمة المساجد وخطبائها وتبادل الخبرة والمعلومات حرصاً على تحسين وسائل الدعوة بما يواجه مشكلاته، ويتقيدون في خطابهم الإسلامي بمصادر الإسلام الصحيحة وأهدافه الإنسانية، والتذكير بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آداب وأحوال وأعمال ذكرها العلماء في مصنفاتهم، ومن الواجب على الأئمة والخطباء التعريف بذلك وما يرتبط بها من ضوابط المناصحة الشرعية للناس ولولاة أمرهم، كما أن على الشباب المسلم اليوم العودة إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في فهمهما، وأن ينزلوا العلماء العاملين مكانهم اللائق بهم من الثقة إذ عُرفوا بالاستقامة ومحاربة الغلو والبغي وأنواع العدوان... فلما لا، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه - فيما رواه البخاري في صحيحة: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، وقال أيضاً: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه) رواه مسلم في صحيحة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد