Al Jazirah NewsPaper Friday  25/12/2009 G Issue 13602
الجمعة 08 محرم 1431   العدد  13602
إنكار المنكر عند أهل السُّنة ومخالفيهم
د. أحمد بن جزاع الرضيمان *

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، به يظهر الخير ويعم، ويختفي الباطل ويضمحل، ولقد فرق الله بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدل ذلك على أن أخص صفات المؤمنين قيامهم به، فقال تعالى: ?وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ?. وذكر قبلها ?الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ?. وقد حازت هذه الأمة المحمدية الشرف والخيرية على الأمم الماضية بهذه الخصلة الشريفة كما قال تعالى: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ?. إلا أنه مما ينبغي التوكيد عليه:

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة والخوارج له معنى، غير المعنى المعروف عند أهل السنة والجماعة، والدارسون للعقيدة يعلمون أن منهج المعتزلة يقوم على خمسة أصول، أحدها: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعنون به: الخروج على الحكام.

فإذا ملئت القلوب غيظاً وحقداً على الولاة، واتخذ من الأخطاء والمنكرات، سلماً للطعن فيهم، حصل الخروج والفتن ولا بد.

ومن الأدلة على ذلك أن الصحابي الجليل عثمان رضي الله عنه لم يُقتل إلا باسم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمنظرو الخوارج ملئوا القلوب حقداً على عثمان رضي الله عنه، وادّعوا أن عثمان رضي الله عنه: لم يصلح الأخطاء في عماله، وولَّى أقاربه، وأضاع المال العام، وصاروا يتحدثون في ذلك حتى انفجر بعض الهمج الرعاع، فقتلوا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قالت عائشة رضي الله عنها كما في كتاب منهاج السُّنة لابن تيمية، مصصتموه كما يُمص الثوب، ثم عمدتهم إليه فقتلتموه.

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد أن أبا معبد قال: (لا أعين على دم أحدٍ بعد عثمان) فقيل له: أوَ أعنتَ على دمه؟ فقال: (إني أعد ذكر مساوئه إعانه على دمه).

في حين أن منهج السلف الصالح في الإنكار، مبني على قوله صلى الله عليه وسلم (من أراد أن ينصح لذي سلطان، فليأخذ بيده، ولا يبده علانية، فإن قبل منه فذاك، وإلا فقد أدى ما عليه). رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني.

قال أئمة الدعوة كما في كتاب (نصيحة مهمة): (وأما ما يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع في المجالس، ومجامع الناس.

واعتقاد أن ذلك -أي التشنيع- من إنكار المنكر، الواجب إنكاره على العباد، غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نوَّر الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين).

وقد منَّ الله علينا في بلادنا المملكة العربية السعودية، جعلها مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ودولة التوحيد، وبلاد الحرمين، وولاتنا يحكمون بالشريعة، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لا نظير له في العالم، وبلدنا بلد حضاري متطوِّر، وبعض جامعاتنا حققت مراكز متقدمة حسب التصنيف العالمي.

وأما الأخطاء والمنكرات فإنها تقع، وكل بني آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم، كما جاء في الحديث الصحيح.

فعلينا أن نكون عوناً لوطننا وولاتنا على تحصيل المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، وفق المنهج الشرعي، وليس المنهج المعتزلي والخارجي.

فبلادنا تواجه أعداءً متربصين، يحسدون هذا البلد على أمنه وخيراته، وحدودنا الجنوبية تتعرض لمحاولات تسلل بهدف رمي الفتيل هنا وهناك، وتنظيم القاعدة يخطط ويمكر، فهل من اللائق في مثل هذا الظرف الحرج، أن نكون ظهيراً للمجرمين ونتفرغ لتجريح الولاة، وتضخيم المنكرات، والإعراض عن الإنجازات، باسم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ذلك أنه من المقرر عند أهل العلم: أن الطعن في الأمراء والولاة تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدعة سبئية، ابتدعها عبدالله بن سبأ، لتفريق الأمة، وإشعال الفتن بين أبنائها، وكان من نتاج بدعته هذه كما تقدم: قتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فإثارة الرعية على الولاة، ومنازعة الأمر أهله، داء عضال، تجب المبادرة إلى معالجته، وفق الله الجميع لكل خير.

* حائل



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد