كثيراً ما ينتابني الاستغراب لدى شرائي أحد كتب تطوير الذات لتعلم بعض المهارات كالمقدرة على الجذب في الحديث، وما يعرف بالكاريزما، أو غيرها، فلا أكتشف شيئاً جديداً كلياً أو شيئاً كنت أجهله بل إن هذه الكتب تنفض الغبار عن أشياء دفينة تجاهلتها أو بالأحرى تناسيتها وعلى حد علمي يوجد الكثيرون مثلي، حتى ونحن نقرأ ينتابنا إحساس داخلي بتوقع ما سيقوله المؤلف فأحياناً عندما يتحدث المؤلف عن موقف ما أو كيفية التعامل معه يجيب بعضنا قبل أن ينتقل إلى السطر التالي أو الفقرة التالية، وكأن الحديث مخزون في الذاكرة من قبل!!
وما يدفعنا إلى ذلك هو فطرتنا ومعرفتنا أو مخزوننا الفكري فتخيلنا في هذا الموقف وما سنفعله حينها في أتم المثالية، ولكن لو حدث الموقف ذاته معنا في أرض الواقع نجد أن تصرفات الكثيرين منا تختلف، وقد تصل إلى حد تغيير الموقف الذي كان في مخيلته (مائة وثمانين درجة) ولعل ذلك بسبب أن تفكيرنا حينها كان في أتم الأريحية ودون أي ضغوط.
على العكس في أرض الواقع ينتابنا الارتباك وتتجمع من حولنا الضغوط بشتى أشكالها، ولذلك يصر كثير من المؤلفين والمفكرين بممارسة ما يتعلمه القارئ على أرض الواقع، بل يصر بعضهم أيضاً بتقديم دورات تدريبية يجمع بها القراء لتعويدهم على هذه الضغوط وتصبح شيئاً طبيعياً كما كان مجرد تفكير.
وفقاً لهذا المنطق، لن يكون هناك شيء صعب عليك وأنت تمارسه أكثر من مرة إلا إذا كان هناك خلل في تطبيقك له، فلماذا نجعل هذه الكتب هي التي تنفض الغبار عن الأشياء الدفينة لماذا لا نكون نحن من نجدد ذاتنا ونطورها من خلال تجاربنا اليومية ومن واقع حياتنا العملية فكم من يوم يمر علينا يحمل العديد من العبر والأفكار الرائعة.
مثلاً عندما تقود سيارتك في أحد الطرق السريعة - مع أنها أصبحت سريعة كمسمى فقط - ومع استماعك إلى المسجل - وذهنك في أغلب الأحيان لا يعي ما به - تطرأ إلى عقلك أفكار جمة متسلسلة لا حصر لها فلو أخذنا من هذه الأفكار ما كان مميزاً منها وطبقناه على أرض الواقع لخرجنا بنتائج عظيمة ومشاريع ضخمة، فلنبحث حولنا وبالتأكيد سنجد هناك شيئاً مميزاً أو شيئاً جميلاً قد دفناه ونحن لا نعلم، فلا نكن كمن يبحث عن كنز مدفون وبدلاً أن يحفر في مكان الكنز ليجده يحفر بجانبه ويردمه بالتراب!!
ولا أستبعد أيضاً أن البعض عرف ما سأقوله قبل أن ينتقل للسطر التالي!!
هل نعتبر ذلك ضمن توارد الخواطر، أم أنها معلومات تخمرت في الذاكرة، ثم أخذت جانباً منها مفسحة المجال لغيرها وحينما نجدها في مصدر آخر تقفز لسقف الذاكرة وتنبهنا بأنها موجودة من قبل؟.
بصراحة نحن بحاجة إلى تنظيم معلوماتنا داخل جزيئات المخ حتى لا يختلط قديمها بحديثها، وحتى لا يتسرب جزء منها إلى العقل الباطن، ويترك فراغاً في عقولنا الحية، فلم أكتب مقالي هذا إلا بعد أن تكرر هذا الإحساس، ليس معي فقط، بل مع آخرين مثلي كانوا يستغربون ذلك وقد تناولنا الأمر في كثير من جلسات الأنس وملتقيات الأصدقاء، فما المخرج إذن، من هذا المأزق، إن لم أقل هذه الورطة..
i.sarami@al-jazirah.com.sa