جدة - عبدالله الزهراني - تصوير - أحمد قيزان
كشف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار أن المملكة ستشهد هذا العام وباهتمام خاص من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله- أول معرض للآثار المستعادة في المملكة، مشيراً إلى أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ المملكة لإقامة معرض وطني لمجموعات الآثار المستعادة التي تم استعادتها عبر السنوات القليلة الماضية، مشيراً إلى أن التعليمات من الدولة وبتأكيد من خادم الحرمين الشريفين تفيد بأن تعمل الهيئة على استعادة جميع ما يمكن من الآثار الوطنية الموجودة خارج المملكة بكافة الطرق، مؤكداً أن الهيئة تعمل بجد حالياً لاستعادة هذه الآثار التي ستكون بارزة -بإذن الله- في المعرض المقبل، مشيراً إلى أن الهيئة قد قامت بإعادة آثار لدول صديقة.
واستعرض سموه في مقدمة كلمته التي ألقاها في حفل تكريمه بإثنينية عبد المقصود خوجة مساء أمس الأول بداياته وسيرة حياته باختصار حيث قال: «أنا اليوم لا أجلس معكم كموظف في الدولة ولكن أجلس معكم كمواطن.. والحقيقة موظف الدولة هو مواطن، تعلمت من والدي عدم أخذ أي قرار إلا بعد الاستشارة ممن حولي ومشاركتهم الرأي، ولذلك عملنا في الهيئة تعاوني تضامني وكل خطة وضعت لتطوير قطاع الآثار والمتاحف عندما جمعنا الكثير من الناس لوضع الخطة تحدثت مع بعض مديري الجامعات وأشخاص آخرين وطلبت منهم معرفة المعارضين لتطوير الآثار في السعودية حتى ندعوهم ونجلس معهم، فلم ننغلق على أنفسنا ورأي الجميع هو الذي يفيد، والآثار ليست ملكاً لشخص بعينه.. بل هي للجميع ويجب أن يتشارك الجميع في المحافظة عليها».
وقال في نفس السياق: «نحن نظرنا إلى قضية الآثار من منظورها الشامل أو التراث الوطني وأن هناك أبعاداً لم تحظ باهتمام ومنها التراث العمراني، وأنتم في جدة تعرفون معاناة هذه المدينة مع التراث العمراني، ففي جدة القديمة وهذا المسمى خاطئ لأنه يقلل من قيمتها لأن الصحيح هو جدة «التاريخية» أتذكر في أول مراحل الاجتهاد لنا في الهيئة منذ أيام الأمير ماجد بن عبدالعزيز (يرحمه الله) وتعاقب أمناء الأمانات في جدة كنا نعيش في حالة حرب ووقتها لم أكن مكلفاً رسمياً لا بالهيئة أو التراث، كنا مستنفرين لكي لا تضيع جدة التاريخية، أنا أسكن الرياض وأعيش فيها لكن في الحقيقة نصف قلبي في جدة لأنني عشت فيها سنوات طويلة وهي من الأماكن التي اشعر براحة خاصة كما أنني لو استمعت لرأي زوجتي لسكنت من غدٍ في جدة».
وسلَّط سموه الضوء على جدة التاريخية وما حدث لها في فترات متعاقبة حيث بين سموه أنها تحولت من 900 بيت إلى 300 بيت تاريخي احترق آخرها قبل أسبوع وما زلنا نرى أن هناك تباطؤاً كبيراً في ما نرغب تحقيقه في جدة، وأضاف: «بلا شك لقد سجل أول موقع للمملكة في قائمة التراث العالمي.. ولم يكن مستغرباً أن يسجل في قائمة التراث العالمي.. بل من المستغرب أن تسجل السعودية موقعاً واحداً حتى الآن، والذي يعرف ومطلع على الأمور يعلم أن تسجيل أي موقع لا يأتي إلا بعد سنوات من العمل كما حدث مع موقع مدائن صالح الذي استمررنا أكثر من 4 سنوات حتى سلمنا شهادته لرئيس اليونسكو العام الماضي، وموقع الدرعية التاريخية انتقل من مرحلة التخطيط إلى الإنشاء وهناك مشروع ضخم جداً تقوم عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وهيئة السياحة لإعادة تطوير الموقع وتحويله إلى معلم وطني ومتحفي وتراثي حي، وأعدت وثائقه بحرفية عالية وقدم لليونسكو وسيتم التصويت عليه في البرازيل هذا الصيف».
وبيَّن سموه أن ملف جدة التاريخية قد قدم لليونسكو وينتظر دوره في التصويت بعد عامين، مشيراً إلى أن قضية العناية بالتراث الوطني واستدراك ما ضاع منه ليست قضية هيئة السياحة فقط وإنما قضية كل إنسان على هذا الوطن، ولفت سموه إلى أن ما تعلمه في الطيران قد انتقل الكثير منه إلى المؤسسات التي عمل فيها ومنها هيئة السياحة والآثار في مهنيتها وانضباطها ومتابعتها وتميزها في العمل الإداري المنظم.
وقال سموه إن شاء الله ترون كتاباً يصدر قريباً عن هذا الموضوع، وجودي كطيار ومشاركتي في رحلة فضائية هي الأخرى ستصدر في كتاب آخر، أنا أعمل على ستة كتب هذا العام، عندما ترى الأمور من مسافة أبعد تكون الأمور أوضح وهو ما تعلمته من الوالد والوالدة، لا تنظر من زاويتك الضيقة، عندما كلفت في ثاني اجتماع للهيئة العليا للسياحة وكان يرأسها الرجل العظيم الإنسان الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين في أول مكالمة هاتفية معه أبلغني بأنه يريد أن يكلفني بمهمة جديدة ويرغب في استطلاع رأيي فقبل أن يكمل قلت له أنا جندي للوطن والجندي لا يُستطلع رأيه يقال له: احمل بنقديتك واذهب، فقال لي أنا أريك كذا وكذا، في الواقع انقبض قلبي بشكل لم أتوقعه ورددت عليه بقولي: والله يا سيدي أنا جندي من جنودكم ولكنني في السياحة لا أعرف شيئاً وقضية معقدة وشائكة وجمرة حارة، فقال لي: يابني أنا أريد جندياً أعرفه لها العمل وأنت عسكري وأعرفك وأعرف عملك وأرغب في شخص يواجه هذه القضية ويتفاهم مع أمراء المناطق والمواطنين والقرى والمشايخ والجمهور وأريد شخصاً يفكك هذه المسألة بطريقة تجعل الجميع يقبل عليها، وأضاف: «أنا أريد أن أضم الآثار للسياحة» فانقبض قلبي عشرات مرات بعدها..
وبيَّن سموه أن البعد الرابع الذي لم يخدم في بلادنا بالقدر المناسب هو البعد الحضاري أو التراث الذي لا يعرفنا العالم فيه، لا يعرف العالم أن الجزيرة العربية كانت تدير الاقتصاد في يوم من الأيام وأن المملكة كانت بلد الحضارات والتاريخ، بلد طرق التجارة والسياسة والأحداث التي غيَّرت مجرى التاريخ، المملكة دولة من الوزن الثقيل في بعدها الحضاري، ومن يعتقد أن هذا البعد لا يؤثر في المجالات الأخرى فهو لا يعرف ترابط الأمور ببعضها.
وأضاف سموه انطلقنا في تطوير الآثار من منطلق البعد الرابع (الحضاري) والتركيز على السياحة داخلياً قبل أن تكون دولياً، المواطن السعودي أقل إنسان يعرف بلاده، هناك أجانب يعرفون بلادنا أكثر من المواطنين، إعادة الاعتبار لتراثنا الوطني وآثارنا ليس ترفاً ولا يجب أن ينظر إليه من هذا المنطلق، هو أمر خطير وفي غاية الأهمية وسوف يكون إرثاً لن يذكر في التاريخ لو تركنا هذه الآثار مكشوفة أو تنهب كما يحصل اليوم ونحن نسعى في هذا الأمر، نحن ما زلنا متخلفين في العناية بآثارنا الوطنية وتراثنا العمراني.
واستطرد سموه حديثة بالقول إن المملكة العربية السعودية اليوم دُعيت في مجموعة العشرين ويومياً في القضايا المستقبلية في بناء الإنسان، والسعودية اليوم حضورها في مجال بناء الإنسانية، يجب أن تكون حاضرة في رسم مستقبل الإنسانية، ويجب إعطاء تراثنا الوطني الكبير انتباهاً خاصاً والذي اندثر جزء لا يستهان به في بلادنا بسبب الإهمال، التعدي، أو تقادم الزمن، يجب الاهتمام بهذا البعد في الوقت الراهن، نحن لسنا بلداً طارئاً على التاريخ، اليوم في المملكة كل رمشة عين وأن تقف على أثر، كلما التفت يميناً أو شمالاً تجد تراثاً وتاريخاً، نحن أمة في هذا الوطن ليست طارئة على التاريخ ولا متطفلة على المستقبل، كنا وما زلنا وسوف نستمر مثل ما قال خادم الحرمين الشريفين يجب أن نستعيد دورنا الأكيد في صناعة المستقبل من خلال استعادة دورنا في العلوم والاختراعات.
وزفَّ سموه البشرى للجميع بقوله: أُبشِّر الجميع زيارة الطلاب للمتاحف اتفقنا بالكامل خلال 30 يوماً مع وزارة التربية والتعليم لتطوير كامل للمفهوم العام لدى الأجيال في المدارس في جميع المراحل التعليمية فيما يتعلق بالآثار والتراث العمراني، ويشمل ذلك زيارة مواقع التراث، المتاحف بحيث لا ننتظر 15 عاماً أخرى ونحث على المحافظة على الآثار، نريد إخراج الآثار من حفرة الآثار، نريد الآثار الوطنية أن تكون معلومة ومفتوحة للناس وليست ملكاً لهيئة أو جهة معينة، إبراز البعد الحضاري لأبنائنا وبناتنا في المدارس هو أحد المسؤوليات الضرورية وليست الترفيهية.
وأكد سموه في أكثر من موضع أن خطة الهيئة منصبة إلى إحداث نقلات في نظرة الناس للآثار واحتضانها، وقال: كل مواطن اليوم يجب أن يحتضن الآثار الوطنية ويكون الحارس الأول لها، ويعتز بها ويعرفها أكثر من أي شخص آخر، نريد أن نستعيد ما دُمر من آثارنا ونعمل على إعادة الاعتبار للقرى التراثية بأقل الموارد المالية وجعلها موارد اقتصادية ذات مردود للمجتمع، ورغم أننا مقصرون إعلامياً إلا أن هناك نقلات في إقناع المجتمعات المحلية ونطمئنهم بأننا لا ننزل ملكية أي شخص».
وعن السياحة في الأرياف قال سموه: إننا ننظر إليها كبديل مهم لانحسار الزراعة في السعودية، وننظر لإحداث نقلات في المتاحف هي ليست مباني لرؤية الآثار، وكثير من متاحفنا يظنها الناس «بقالات» القطع الأصيلة في هذه المتاحف انتقلت لمناطق أخرى، وفي هذا تقليل لاعتبار المناطق والقرى الصغيرة، نريد الاعتبار لمتاحفنا بأن تصبح حية ويرغب الجمهور في الذهاب للمتحف وليس أن يُجبر على ذلك،
وكشف سموه أن الهيئة سوف تقوم هذا العام بإنشاء 6 متاحف جديدة ونتقدم بإنشاء 8 متاحف العام القادم تُبنى بطريقة مختلفة تماماً وكوادرها من المحليين وتتعاون المدارس في إدارتها كجزء من العملية التعليمية، نريد أن نحدث نقلة في المتحف الوطني الذي نعمل على تأسيس مجلس أمناء له حالياً، ليماثل المتاحف الدولية مثل اللوفر وغيرها.
نريد أن نحدث نقلة في نظرة العالم لنا، إلى اليوم لم نحدث أي عمل متحفي خارج السعودية، هذا العام في الصيف وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين وعطفاً على طلب من الرئيس شيراك عندما أقامت الهيئة معرض اللوفر في الرياض قبل عامين سوف يتم افتتاح أول معرض للكنوز الأثرية السعودية في اللوفر في بداية يوليو في أهم وقت لأوقات الذروة في اللوفر.. علماً أن اللوفر سيتكفل بكافة مصاريف المعرض، وهناك أكثر من 8 طلبات من معارض عالمية مرموقة ترغب في استضافة الآثار السعودية وتتحمل جميع التكاليف.
وأوضح سمو رئيس الهيئة أن الهيئة تتعامل مع قضايا الآثار الإسلامية وفق منظور شرعي وبما ينسجم وتعاليم الشريعة الإسلامية التي تقوم عليها هذه البلاد، وتحرص القيادة وتوجه بتطبيقها, ويحقق في ذات الوقت الحماية لهذه الآثار، مؤكداً على حرص الهيئة الشديد على ألا تتحول هذه الآثار إلى مزارات.
وأكد سمو الأمير سلطان بن سلمان، أن قضية المحافظة على التراث العمراني هي قضية وطنية تحظى بالدعم والاهتمام من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده حفظهما الله, مشيراً إلى أنه لم يعد هناك خط فاصل بين التنمية والتطوير الحضاري والمحافظة على التراث، مبيناً سموه أن الهيئة تعمل على حماية المواقع التاريخية والتراثية وتأهيلها.. ويأتي ذلك في سياق اهتمام الدولة بالآثار ومواقع التراث العمراني التي تمثل بُعدا تاريخيا وحضاريا هاما تعمل الهيئة على إبرازه واستيعاب المواطن لأهميته.
وبيَّن سمو رئيس الهيئة أن التراث العمراني لم يكن مناطاً بأي جهة لتقوم بدورها في العناية به، وهذا المفهوم يشوبه الكثير من التنقيص، الأمر الذي جعل الدولة -رعاها الله- تولي هذا الموضوع اهتماماً من خلال تكليف الهيئة العامة للسياحة والآثار بالإشراف عليه.
وقال سموه إن مواقع التراث العمراني منتشرة في المملكة وهي شواهد على عراقة الحضارة ومشاركة الآباء والأجداد في بناء هذا الوطن، مما يجعل تلك المواقع تستحق الكثير من العناية، ولعل من أبرز تلك المواقع المتكاملة بنسيجها العمراني وجمال طرازها المعماري هي منطقة جدة التاريخية التي أحب أن أسميها بالتاريخية وليست القديمة، لأني أتمنى من الجميع اعتباراً من هذا اليوم أن يستخدموا وصف (التاريخية) لما يحمله من قيمة ومكانه عالية ارتبطت بهذا اللفظ، وأن نترك وصف (القديمة) عن تلك المنطقة الأثيرة في نفوسنا لما ارتبط وصف القديمة من معاني الانتقاص والتهالك.
وكان سموه قد قدم عرضاً عن الآثار والمتاحف والتراث العمراني (مبادرات وإنجازات) بين من خلاله أن مشروع الآثار والمتاحف والتراث العمراني يهدف إلى إحداث نقلة أساسية فيها وإبرازها كبعد حضاري أساسي للمملكة والمحافظة عليها وتأهيلها وتنميتها مع اعتبار ذلك مسئولية جماعية يساهم فيها كل المجتمع وتحقيق مشاركة المجتمعات المحلية في كل ما له علاقة بالتراث وتمكينهم من القيام بالأدوار الرئيسة بالإضافة إلى نقل المعرفة وبناء قدرات جميع الشركات في مجالات الحماية والمحافظة والتأهيل والتوعية والتعريف بالتراث الوطني وأهميته الثقافية والاقتصادية محلياً.
وعن تطوير المتاحف بالمملكة أشار سموه إلى أن هناك خططاً لتطويرها، لافتاً إلى استحداث 8 متاحف جديدة وتطوير الـ 6 القائمة، و20 متحفاً في المحافظات في المباني التاريخية، و5 قصور الملك عبدالعزيز و9 متاحف متخصصة، و 70 متخفاً خاصاً مرخصاً، بالإضافة إلى إنشاء 5 متاحف إقليمية في كل من أبها والباحة وحائل وتبوك والدمام عام 1431هـ - 2010م وتطوير متحف مكة المكرمة بقصر الزاهر وتطوير متحف المدينة المنورة بمحطة سكة الحديد وتطوير متحف القصيم.
وألمح سموه إلى أن الهيئة وبهدف الاستفادة من التجارب السابقة الخارجية قد قامت باستطلاع لأبرز التجارب العالمية في المحافظة على التراث العمراني لأمناء المدن والمحافظين ورؤساء البلديات حيث نفذت 6 زيارات لأكثر من 300 مشارك بالإضافة إلى عقدها للبرامج التدريبية لبناء قدرات المختصين والمجتمعات المحلية وتنظيم أكثر من 600 ورشة عمل مع المسئولين والمجتمع المحلي والمجالس البلدية لإبراز أهمية المحافظة على التراث العمراني وتنميته.
من جانبه، قال عبد المقصود محمد خوجة في كلمة ألقاها بهذه المناسبة: «إن الرصيد الذي نتكئ عليه من آثار الحضارات التي عمرت هذا الوطن المعطاء تمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، فهي في قامة تستحق مظلة متخصصة، وتابع: «إن الآثار بالمملكة ظلت تكافح سنين طوال لانتزاع مكانتها التي تستحقها أسوة بموقعها في بقية العالم المتحضر، وفي الوقت الذي نرى فيه تقدما إيجابيا في هذه المسيرة فإن مواكبة العصر في الجانب السياحي والعلمي للآثار يحتاج إلى جهود وفيرة.. وكم هو جميل أن نرى الوفود السياحية بدأت تنساب عبر الوطن لمشاهدة آثارنا كما يحدث في غيره من الأمم، فهذا سيشكل رافدا لا غنى عنه، آخذين في الاعتبار أن هناك دولاً لها حظ أقل بكثير من آثارنا وعمقها ودلالاتها الدينية والحضارية».