Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/12/2009 G Issue 13600
الاربعاء 06 محرم 1431   العدد  13600
لما هو آت
الوقوع في فخاخ المتاجرين..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

المتاجرون هذا زمنهم.. غير أنهم يختلفون عن المتاجرين في الأزمنة التي اندثرت برغيف الصبح أبخرته تسد جوع العشرات، كل لقمة فيه تشد أواصر الإحساس بالآخر, زمن الكأس ألواح يشرب منه الجميع، والطبق يأكل منه الكل,..

يختلفون تماماً بعد أن تعددت الأطباق بعدد الجالسين ورقمت المقاعد بمراتب الآكلين، هو هذا الزمن الموسوم بالتقدم والتحضر، وبالمعارف والعلوم، وبالمنجزات العالية الراقية، البانية الفاعلة، غير أنه زمن المتاجرة بكل شيء حتى تفرغت القيم من أسسها، والأخلاق من دعاماتها, والقلوب من مشاعرها، واستبدلت العقول الخداع بدل الحكمة، وفاضت رجاحتها في كيفية صياغة أساليب ومنهاج المراوغة والمكاسب، على حساب كل شيء إلا فضيلة الأخلاق ونقاء السلوك، وأجاز الإنسان لنفسه أي مسلك كي يجد ما يجعله قادراً على الصمود في واجهة الريح والشمس وعثرات الطرق.

ولم يعد على الإنسان أن يكرر مقولته: (كل شيء يهون إلا الأخلاق) لأن الأخلاق أيضاً ارتدت زياً صقيلاً في ظاهره، متعدد النوايا في خارجه..

والأصعب في متاجرة المتاجرين بكل أمر، هي المتاجرة بالأقلام.. تلك التي تدفع بعشرات المصنفات تجدها في واجهات المكتبات ومستودعات القراطيس، تأخذ بعقول الناس، وهم يأخذون منها ويكررون، تلك الكتب التي تعتمد على العبارات المنمقة، والجمل المكثفة، والسطور التي في ظاهرها حكمة ومعرفة وعلم وفي باطنها سلب لآراء الآخر وأخذ من معين ليس هو في الأساس لصاحب الاسم المتاجر بالورق, حتى إذا ما جلست في مكان تجتمع فيه ثلة من مريدي الحصول على دورة، أو المشاركة في عمل، أو المخدوعين بألسنة تجري الحكمة على ألسنتها جري الماء إلا وجدت الجميع يقصون ويلصقون، يكررون ويأتمون، بما قال فلان وبما أتى به من درر القول في علوم الإدارة والتطوير، والنفس والعقل، والتخطيط واللياقة الفكرية وحتى الجسمية، وفي المحصلة النهائية فإن مئات هذه المصنفات تأخذ عن بعضها، ويتاجر بها أذكياء المخادعين بين أغبياء التابعين... وتكثر هذه المتاجرة في المترجمات والمنقولات، وفي الصقيل اللامع والمتوج بالأسماء الأجنبية، أو حتى العربية..

الحكمة ضالة المؤمن ولكن الإيمان نور الصدور، فكيف يعمى على صدر مؤمن أمر تلك التجارة الرخيصة ويذهب ضحية لها.. وقته وجيبه وعقله؟.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد