تشرفت بحضور دورة تدريبية في فرنسا ضمن فريق سعودي مكون من عدد من أصحاب الفضيلة القضاة من وزارة العدل وديوان المظالم والمجلس الأعلى للقضاء وأعضاء من فريق التحكيم السعودي برئاسة سمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين ورئيس الفريق السعودي للتحكيم، حظي خلالها الوفد السعودي باهتمام المسؤولين في وزارة العدل الفرنسية وإطلاعهم على أدق تفاصيل التجربة الفرنسية في مجال القضاء ضمن برنامج تحت عنوان: (سير العدالة في فرنسا).
وفي قصر العدالة الفرنسي حيث توجد محكمة النقض الفرنسية العريقة، افتتحت الدورة من قبل سمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود رئيس الوفد السعودي، والرئيس الأول لمحكمة النقض السيد (فانسن لا مندا) حيث دشنا برنامجاً تدريبياً مكثفاً على مدى أسبوعين شمل كل فروع القضاء في فرنسا، بالإضافة إلى زيارة للمدرسة الوطنية للقضاة ومحكمة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية في باريس. وأتيح للوفد السعودي حضور جلسة لدى الدائرة التجارية في محكمة النقض تنظر في قضية تجارية مهمة حيث لوحظ مدى التحري عن الوصول للعدالة. فقد نظرت القضية من قبل عدد (14) مستشاراً نصفهم من كبار السن والنصف الآخر من صف القضاة الشباب، بالإضافة إلى رئيس الدائرة ونائبه. وقد أتيح لكل عضو أن يبدي رأيه في القضية بحرية ودون مقاطعة.
وقد أثارت اهتمامنا المحكمة التجارية الفرنسية وطريقة أدائها ووظائفها. فهي تدار من قبل طائفة من التجار أغلبهم من المتطوعين كبار السن الذين تفرغوا لخدمة القضاء التجاري وترك أعمالهم ومصالحهم الخاصة التي عهدوا بها لجيل من الشباب لإدارتها. وعند سؤالهم من قبل الوفد السعودي عن المكاسب الشخصية وراء التطوع في هذا العمل، أجابوا إنهم يجدون ذاتهم من خلال خدمة القطاع التجاري في الدولة والمحافظة على أدائه على الوجه السليم كرد جميل لما جنوه من هذا القطاع. وتسجل لدى المحكمة جميع الشركات التجارية بالتعاون مع مؤسسة متخصصة، وتنظر في كل ما يتعلق بالتجارة والقانون التجاري. وهي امتداد طبيعي للإرث الفرنسي التجاري بما يسمى (قانون الطوائف) أي أن طائفة التجار هي التي تضع نظامها وتشكل محاكمها وقضاتها. لكن النقلة الحديثة تمثلت في إمكانية استئناف قرارات قضاة المحكمة التجارية أمام محكمة الاستئناف ومحكمة النقض، أي الخلط بين القضاء المهني والمؤسسي.
كما سنحت للوفد فرصة زيارة محكمة التحكيم الدائمة في الغرفة التجارية الدولية، وتلقي محاضرات عن نظامها وكيفية إدارة قضايا التحكيم في إطارها، والأسباب الجوهرية لخسارة بعض القضايا العربية التجارية التي عرضت عليها ومن أهمها قبول شرط التحكيم لدى الهيئة دون دراية كافية بنظامها.
إن الدورة مثمرة جداً، ونحن بحاجة للمزيد من الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة بهذا المجال لنقل ما يمكن أن نستفيد منه ولا يتعارض مع ثوابتنا. ونتمنى التركيز أكثر على القضاء التجاري لارتباطه بالاقتصاد والاستثمارات المحلية والدولية، والتعجيل في الجهود الرامية لتطوير نظام التحكيم التجاري، وإنشاء مركز تحكيم تجاري سعودي يلبي حاجة من يختارون هذا النوع من القضاء. ويغني عن اللجوء لمراكز تحكيم أجنبية لا نملك الخبرة الكافية للتعامل معها.