أصدرت هيئة سوق المال لائحة حوكمة الشركات في نوفمبر 2006 واعتبرتها إرشادية وتطبيقها سيتم على مراحل، وهذا ما يحدث فعليا، وبالرغم من أهمية الحوكمة بعصرنا الحالي واعتبارها معياراً مهما لحماية وخدمة الاقتصاد الوطني، وإلى الآن لم يطبق الكثير من اللائحة لكنها بنهاية المطاف ستصبح نظاما ملزما، ومن المفترض قيام الشركات بتطبيق الحوكمة دون انتظار أو ترقب لما ستلزمهم الهيئة به من فترة لأخرى، وإن كانت هيئة السوق قد طبقت عقوبات بحق شركات خالفة بعض لوائح الحوكمة مؤخرا.
إلا أن هناك فقرات تتعلق بشكل رئيسي بمجالس الإدارات تتحدث عن منعهم الانتفاع لمصالحهم الخاصة والإفصاح عن أية علاقة تجارية تتم بين الشركة وأي منشأة تتبع أحدا من أعضاء المجلس، وفي الحقيقة ما يثير التساؤلات هنا: ماذا عن العلاقات السابقة والتي تم فيها عقد صفقات أو إبرام اتفاقيات والتصرف بأصول أو دخول استثمارات تتم فيها منفعة خاصة؛ فتلك الممارسات ما زالت تؤثر على واقع تلك الشركات وستبقى لفترات أطول؛ بل بعضها أصبح متجذرا بمشكلته في هيكل الشركة والأمثلة لا يمكن حصرها بقدر ما يجب أن يكون هناك لجان تفتيشية يحق لها مراجعة جميع الأعمال التي تندرج تحت مصالح أو منفعة خاصة، وهنا لا يجب توقع أن مثل هذه العلاقات تتركز بشركات صغيرة أو ضعيفة أو خاسرة، بل حتى كبرى الشركات، فإذا كان المفروض على الجمعيات العامة محاسبة ومراجعة أعضاء مجالس الإدارات على قراراتهم حسب النظام فإن الحكمة يجب أن تتيح للمساهمين ممارسة الحق بمعرفة سير عمل الشركة خلال آخر خمس سنوات على الأقل من خلال المطالبة بفحص كل الخطوات السابقة، فكم من مصرف لدينا قام بتوسيع قاعدة فروعه وافتتح صالات للأسهم، ثم أصبحت عالة عليه ولا جدوى منها رغم إنفاق عشرات الملايين على شراء الأراضي وبناء الصالات، ويقاس على ذلك توسعات شركات أخرى صناعية وخدمية وزراعية وخطط لم تفشل فقط، بل كبدت ومازالت ترهق الشركة بخسائر مستمرة نتيجة النظر للقرارات المتخذة من زاوية المصلحة الخاصة، كما أن الفقرة (ح) من المادة الثانية عشرة تتيح العضوية بخمسة مجالس إدارات لشركات دون تحديد أن يكون هناك بعد بين أعمالها ونشاطاتها حتى لا تتقاطع المصالح وتتحقق المنافع الخاصة.
إن المادة الرابعة أبرزت حق المساهمين بالحصول على حقوقهم بيسر وسهولة ودون تمييز ولكن الواقع يقول عكس ذلك إلى الآن مما يعني أن تطبيق الحوكمة والإلزام بفقراتها بات أمرا ملحا دون تدرج بذلك مع تطويرها بما يكفل إصلاح أوضاع الشركات وفلترة كل نشاطاتها وما يؤثر بها ومنح الحق بمحاسبة من تسبب أو استفاد لمصلحته الخاصة من خلال عضويته بمجلس إدارة أي شركة؛ فالحوكمة التي بدأ الحديث عنها ووضع أنظمتها في بداية التسعينيات من القرن الماضي ليبدأ عصر جديد بها منذ العام 2001 عالميا لم تعد فكرة تطويرية، بل جزء رئيسي بأساسيات عمل الشركات، بل والجهات الحكومية ومنطلقا لبناء اقتصاد قوي جاذب للاستثمار وجهاز مناعة قوي لمحاربة الفساد.