قبل ثلاثة أعوام، ارتدى الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون زياً عسكرياً، وأعلن حرباً شاملة على المخدرات، وأمر الجيش بالنزول إلى شوارع المكسيك، وطرقها السريعة، وقراها. آنذاك، تلقى كالديرون دعماً واسع النطاق، سواء على الصعيد الداخلي أو من الخارج، للقرار الذي اعتبره الكثير من الناس قراراً شجاعاً وضرورياً رغم تأخره. وتوقع المراقبون نتائج ملموسة سريعة.
فضلاً عن ذلك فقد سارعت إدارة جورج دبليو بوش إلى الوعد بتقديم الدعم الأميركي - في إطار ما أطلق عليه مبادرة ميريديا، والتي وقعت في شهر فبراير - شباط 2007 - وأظهرت استطلاعات الرأي العام أن كالديرون نجح بضربة واحدة في تجاوز المنغصات التي صاحبت انتصاره الانتخابي بهامش ضئيل، واكتسب ثقة الشعب المكسيكي. ولكن الأمور اليوم تبدو مختلفة تمام الاختلاف.
في مناقشة جمعت مؤخراً بيني وبين فريد زكريا من جريدة نيوزويك وقناة السي إن إن، وآزا هاتشيسون رئيس هيئة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة سابقاً، وآخرين، كان السؤال الرئيسي الذي طُرِح هو ما إذا كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن حرب المخدرات في المكسيك. ولقد أشرت إلى أن المسؤولية لا تقع على الولايات المتحدة ولا على المكسيك؛ وأن كالديرون وحده هو المسؤول. فتماماً كما كان غزو بوش للعراق، كانت حرب المخدرات في المكسيك حرب اختيار. فهي الحرب التي ما كان ينبغي لكالديرون أن يعلنها، وهي الحرب التي لا يمكن تحقيق النصر فيها، وهي الحرب التي ألحقت ضرراً بالغاً بالمكسيك. في اعتقادي أن كالديرون أعلن هذه الحرب لأنه شعر بالحاجة إلى إضفاء الشرعية على نفسه أمام الشعب المكسيكي، وذلك نظراً للشكوك التي أحاطت بانتصاره في انتخابات عام 2006 الرئاسية - وهي الشكوك التي لم يقتنع بها مؤيديه، من أمثالي. وأظن أن إحراز النصر في هذه الحرب أمر غير ممكن لأنها لا تتفق مع المبادئ الأساسية لعقيدة باول، والتي أوضحها منذ ثمانية عشر عاماً كولين باول، الذي كان آنذاك رئيساً لهيئة الأركان المشتركة الأميركية، فيما يتصل بحرب الخليج الأولى. فقد عدَّد باول أربعة شروط لابد من تلبيتها من أجل إحراز النجاح في أي عملية عسكرية. الشرط الأول، نشر قوة ساحقة، وهو الشرط الذي تفتقر إليه المؤسسة العسكرية المكسيكية. والشرط الثاني إمكانية تحقيق نصر يمكن تحديد أبعاده، وهو أمر غير وارد في حرب ضد المخدرات (وهو المصطلح الذي ورد أول مرة على لسان ريتشارد نيكسون في الستينيات). والشرط الثالث وضع استراتيجية خروج منذ البداية، وهو ما يفتقر إليه كالديرون، وذلك لأنه لا يستطيع أن ينسحب منهزماً داخل بلده، ولا يستطيع أن ينسحب معلناً النصر. وصحيح أن كالديرون ما زال يتمتع بدعم الجماهير - وهو الشرط الرابع الذي حدده باول - ولكنه بدأ يخسر ذلك الدعم.
على مدى الأعوام الثلاثة الماضية مات أكثر من 15 ألف مكسيكي في حرب المخدرات. ولقد أكدت بالوثائق منظمة واتش لمراقبة حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، وعملية مراجعة النظير التابعة لمجلس حقوق الإنسان العالمي، بدرجات متفاوتة من الأدلة والدقة، انتشار حالات الانتهاك وغياب المساءلة القانونية عن هذه الانتهاكات. فمن بين أكثر من 220 ألف شخص اعتقلوا بتهم مرتبطة بالمخدرات منذ تولى كالديرون منصبه، أطلق سراح ثلاثة أرباعهم، و5% فقط من الستين ألف متهم المتبقيين حوكموا وصدرت في حقهم أحكام بالسجن. وفي الوقت نفسه، ازدادت المساحات المستخدمة لإنتاج الأفيون والماريجوانا، وطبقاً لحكومة الولايات المتحدة فإن هذه المساحات بلغت 6900 هكتار للأفيون و8900 هكتار للماريجوانا. ولم تتمكن القيود المفروضة على شحن الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى الولايات المتحدة إلا من تحقيق أثر لا يُذكر على أسعار بيع هذه العقاقير المخدرة في الشوارع، والتي بلغت ذروتها في عام 2008 ثم استقرت في عام 2009 عند مستويات أدنى كثيراً من المستويات القياسية التي بلغتها في التسعينيات. وطبقاً للتقرير الاستراتيجي بشأن مراقبة المخدرات على المستوى الدولي، والصادر عن حكومة الولايات المتحدة، فقد تقلص حجم الكميات المضبوطة من الأفيون والهيروين والماريجوانا منذ بدأ كالديرون حربه ضد المخدرات، كما ارتفع إنتاج المخدرات في المكسيك. وفي عام 2008، بلغ إنتاج الهيروين المحتمل، طبقاً لوزارة الخارجية الأميركية، 18 طناً مترياً، بعد أن كان 13 طناً مترياً في عام 2006، وارتفع إنتاج علكة الأفيون إلى 149 طناً مترياً بعد أن كان 110 طناً مترياً. كما سجل إنتاج القنب زيادة مقدارها 300 طن متري خلال هذه الفترة، حتى بلغ 15800 طن متري. أو بعبارة أخرى، منذ بدأ كالديرون حربه ضد المخدرات ازداد حجم المعروض من المخدرات المكسيكية في الأسواق ولم يقل. لم يعد هناك أي سبيل سهل للخروج من هذا المستنقع. ذلك أن قوة الشرطة الوطنية التي حاول آخر ثلاثة رؤساء للمكسيك تكوينها - ارنستو زيديلو، وفيسينتي فوكس، وكالديرون - ما زالت بعيد تماماً عن الاستعداد للحلول محل الجيش في مهمة مكافحة المخدرات. فضلاً عن ذلك فإن المساعدات الأميركية، كما أوضح تقرير مكتب المحاسبة العام التابع للولايات المتحدة في مطلع شهر ديسمبر - كانون الأول، تكاد تكون شحيحة للغاية. والواقع أن بعض التقديرات تؤكد أن 2% فقط من مبالغ المساعدات التي كان من المفترض أن تصل إلى 1,3 مليار دولار تم صرفها بالفعل. لعل الحل الأقل سوءاً الآن هو الاستمرار في الحرب: ثم السماح تدريجياً لحرب المخدرات بالاختفاء من على شاشات التلفزيون والصحف، وإحلال حروب أخرى في محلها: الحرب ضد الفقر والجرائم البسيطة، والنضال من أجل تعزيز النمو الاقتصادي. وقد لا تكون هذه بالفكرة المثالية، ولكنها أفضل من إطالة أمد معركة لا يمكن الفوز بها.
* خورخي كاستانيدا وزير خارجية المكسيك الأسبق
خاص بـ«الجزيرة»