قَدِمت الزوجة الطبيبة لزيارة زوجها المقيم في جدة، وكان زوجها الطبيب الجراح المقيم في جدة -الذي يعمل في أحد المستشفيات الخاصة- يهمُّ بعمل عملية جراحية لربط المعدة لأحد المواطنين. الذين دخلوا المستشفى طلباً للشفاء، وربما ضاق الأمر بالزوجة الطبيبة، وربما ضجرت من وقت الفراغ، وربما غاب الطبيب المسؤول عن التخدير، في يوم عملية المواطن طبيب الأسنان والفنان والإنسان طارق الجهني.
فما كان من الطبيب المقيم الجراح، إلا أن استعان بزوجته. الطبيبة القادمة لزيارته..، ولا نعلم هل ذلك بسبب تبديد ساعات الضجر، أم بسبب كفاءتها العالية؟ الذي نعلمه أنها لا تعمل بالمستشفى.
ولم تأت للعمل كطبيبة، وإنما كزوجة في زيارة عائلية. ذهب قرباناً لها إنسان بريء، أراد عمل ربط معدة فربطوا في وجهه الحياة، وأورثوا أهله الحسرة والوجع!.
انتهى الأمر، بوفاة المواطن الدكتور طارق الجهني، بسبب خطأ طبي. وهذا الأمر بغاية البساطة يعقبه شكوى فلجنة فاجتماع فتقرير لمعرفة نسبة الخطأ والمتسببين به.
بالرغم من صدور قرار وزير الصحة بإغلاق غرفة العمليات في ذلك المستشفى كأجراء عقابي احترازي يخفف من شعور ذوي المتوفي بالألم والظلم والفجيعة.
والسؤال في سياق هذه الأحداث: كيف تكوَّن هذا الاستسهال والاستهتار وانعدام الإحساس بالمسؤولية؟.
كيف يُقدم الطبيب الجراح على تكليف زوجته (الطبيبة القادمة بتأشيرة زيارة) بإجراء طبي دقيق بهذه الخطورة؟
ولا نعلم هل كانت فعلاً طبيبة تخدير ومؤهلة طبياً علمياً، أم بشهادة كشهادات عضوات هيئة التدريس (المتعاقدات) في كليات البنات، اللاتي أُكتشف فجأة تزوير العشرات منها؟!.
ولماذا تتكرر لدينا دائماً هذه الأخطاء؟ ولماذا لا نسمع،
ولا يُعلن عن إجراء صارم وعقوبة رادعة للمؤسسات الطبية الخاصة التي بات ديدنها المتاجرة بأرواح الناس واسترخاصها.
وإذا ما وجدت تلك الروادع والعقوبات، فلماذا تتوالى الأخطاء ويستمر مسلسل الاستهانة بحياة الناس وأرواحهم؟.
أُدرك أن وزير الصحة يتابع هذه الشؤون والشجون، وأدرك أنها تؤلمه كما تؤلم المعنيين بها ولكن مهام وزير الصحة ليست فقط متابعة خروق وثقوب وأخطاء وسوءات المؤسسات الطبية الخاصة وتجاوزاتها؟.
وأُدرك أن آلية لجان التحقيق وهيئاته ليست الحل الأمثل لمثل هذه الأخطاء الفادحة التي باتت صحة الناس ثمناً لها.
هل لو كانت ثمة عقوبة رادعة وصارمة تُحدَّد وتُحرَّر من خلال بحث ومشورة واجتهاد فقهي وشرعي طبي وإداري تُقرر وتُعلن وتُشعر بها هذه المؤسسات ويعلمها الناس من مبدأ معرفة حقوقهم فيما يتعلق بأرواحهم على الأقل.. هل سيصل الأمر إلى ما وصل إليه؟.
وإذا كانت آلية اللجان والهيئات الرقابية الطبية قد فقدت المبررات الموضوعية لوجودها؛ لأن بضعة آلاف غرامة، أو كف اليد، أو إغلاق غرفة عمليات لا يمنع شيئاً!! فثمة آلاف يعطيها المستثمر والمستهتر، وثمة أيدٍ تمارس العبث، وثمة غرف أخرى يسير فيها الأمر على هيئه لا ترضي أي ضمير حي.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.