Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/12/2009 G Issue 13599
الثلاثاء 05 محرم 1431   العدد  13599
ثورة مناخية مخملية؟
لاسلو شويوم

 

لقد أصبح مصير مناخ الأرض على المحك في المناقشات الدائرة الآن في كوبنهاجن. ورغم إدراك أغلب المشاركين في المؤتمر مدى إلحاح هذه المسألة، فإن تصرفات العديد منهم تشير إلى أن العودة إلى الأعمال المعتادة في نهاية المطاف قد تكون كافية. ولكن هذا غير صحيح. بل يتعين على العالم أن يتعهد بالانفصال عن الماضي تماماً، ولابد وأن تبدأ هذه القطيعة الآن.

من حسن الحظ، لدينا سوابق حديثة لمثل هذه التغيرات القادرة على تبديل الساحة الاقتصادية والسياسية جوهرياً - وأقصد هنا التغيرات الثورية التي تمت سلمياً وبدعم شعبي متحمس. وكان انهيار الشيوعية في شرق أوروبا ووسطها قبل عشرين عاماً، وتأسيس أنظمة سياسية ديمقراطية جديدة تناصر اقتصاد السوق، من بين الأمثلة الحاسمة على مثل هذا الانفصال عن الماضي.كان تغيير تلك الأنظمة يتطلب تغيير الناس أنفسهم، ليس فقط أسلوب حياتهم، بل وأيضاً عاداتهم في التفكير ووزن الأمور. إن الثورة البيئية التي يحتاج إليها العالم اليوم التحول إلى الاقتصاد العالمي المنخفض الاستهلاك للكربون وأساليب الحياة اليومية المقتصدة في استخدام الكربون - سوف تتطلب تغييراً شاملاً مماثلا.من الواضح أن مثل هذه المقارنة لها حدود. ذلك أن تغيير الأنظمة الذي حدث في العالم الشيوعي قدم لنا نموذجاً معروفاً (أو هكذا تصورنا)، حيث لا توجد نماذج متاحة بين أيدينا لاقتصاد منخفض الكربون ولكنه يتسم بالكفاءة في نفس الوقت.ففي أوروبا الوسطى والشرقية قبل عشرين عاماً، كان التغيير الشامل يتطلب التخلص من كافة المؤسسات السياسية والاقتصادية، وتبديلها أو بناءها من جديد؛ إذ كان الأمر يتطلب تغييراً كاملاً للبنية الاجتماعية. ولكن الثورة البيئية تحتاج إلى قدر أقل من المؤسسات الجديدة. إذ إن أكثر ما نحتاج إليه الآن هو استخدام أسلوب جديد في التفكير أو بعبارة أخرى «برمجة» جديدة (ولو أن الأمر يحتاج أيضاً إلى وجود تقنيات خضراء رحيمة بالبيئة كعنصر أساسي).وكما رأينا في عالم ما بعد الشيوعية، فإن تغيير المواقف غالباً ما يمثل المشكلة الأصعب على الإطلاق. فقد سارع الناس إلى تبني الديمقراطية الرسمية، ولكن روح التسامح والتسوية التي تشكل قلب العملية الديمقراطية استغرقت بعض الوقت قبل أن ترسخ أقدامها. وهذا النوع من التغيير في العقلية هو أكثر ما نحتاج إليه اليوم.رغم ذلك، وبعيداً عن الاختلافات الواضحة بين ثورة 1989 والثورة الخضراء التي ننتظر قدومها، فهناك أوجه تشابه مذهلة. أولاً، سوف يكون التغيير الجذري لأنظمة بالغة التعقيد مطلوباً للحفاظ على مناخ العالم، تماماً كما تطلب الأمر مثل هذا التغيير الشامل منذ عشرين عاماً في بلدان ما بعد الشيوعية.

ثانياً، لابد من إدارة أزمة اليوم بطريقة سلمية، وهكذا أيضاً كان هدفنا في عام 1989 وهو ما انعكس في الفكرة المذهلة التي تبناها المنشقون لتغيير الأنظمة من خلال المفاوضات. وأخيراً، من المفترض اليوم أيضاً أن يحدث التحول الشامل في فترة زمنية وجيزة للغاية، وهو ما تعلمنا من أحداث عام 1989 أنه أمر ممكن.إن طريقة التغيير التي تبنيناها آنذاك والتي أوصي بها الآن تمنع العنف وتقلل من التكاليف. فكانت الأداة التي استخدمناها لتحقيق هذه الغاية آنذاك والتي تظل صالحة حتى يومنا هذا الاتفاق مسبقاً على أهداف جوهرية تسعى الأطراف المهتمة إلى تحقيقها من خلال التغيير مسترشدة بخريطة طريق واضحة. وجوهر الأمر هنا يتلخص في أن قرار تنفيذ أي تغيير جوهري لابد وأن يتخذ منذ البداية (وأن ينقل بوضوح إلى كل الأطراف المشاركة). أما فكرة «إصلاح» أو تكييف النظام القديم من دون إحداث تغيير حاسم فلابد وأن تكون مرفوضة تماماً قبل أن تبدأ العملية.

فقد توصلت المجر وبولندا إلى اتفاق على القواعد اللازمة لتحقيق التحول السلمي من خلال سلسلة من المفاوضات بين الأحزاب الشيوعية الحاكمة والمعارضة المنظمة. وهذا يشبه مؤتمرات المناخ حيث تجلس البلدان المتقدمة، والناشئة، والفقيرة إلى نفس الطاولة وتحاول التوصل إلى اتفاق على هدف مشترك: نموذج عادل للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.كانت شعوب وسط وشرق أوروبا راغبة ببساطة في الديمقراطية والرخاء ولكن كان لابد وأن يتمكن أهل النخبة من إقناعهم بقبول العديد من الأحداث المتزامنة غير المتوقعة، وهي المهمة التي لم تكن يسيرة بأي حال من الأحوال. والواقع أن التصرفات المماثلة في التنازل والتسوية من أجل التوصل إلى الاتفاق بشأن التدابير اللازمة للحد من الاستهلاك، وضمان المساواة، سوف تتطلب مشاركة كافة أصحاب المصلحة من أجل اكتساب موافقتهم. وهذا يؤكد على المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتق هؤلاء المكلفين بتوجيه وإدارة هذه التغييرات.

ورغم أن التخطيط لهذا التحول من غير الممكن أن يتم بالكامل مقدماً، فإن الإصرار على إيجاد نقاط رئيسية في البداية يشكل متطلباً أساسياً. وكان أحد هذه المتطلبات أثناء التغيرات التي شهدها عام 1989 متعلقاً بإنشاء القدر الأدنى من المؤسسات اللازمة لضمان حكم القانون: الانتخابات الحرة، والحريات المدنية، والقضاء المستقل. والواقع أن العوامل التي تفرض تغيير النظام البيئي المناخ، والتنوع البيولوجي، والظلم ليس من الممكن أن تدار في معزل عن بعضها البعض. غير أن العنصر الرئيسي الذي لابد وأن تكون الأولوية له يتلخص في الحد من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ والتكيف معها.

رئيس دولة المجر.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص الجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد