المنتديات مرحلة متقدمة لصهر الأفكار والأطروحات ونقلها من طاولة المعنيين والمتخصصين بها إلى الفضاء الاجتماعي لتكون مادة للنقاش والتداول وتوليد الحلول على نطاق واسع. ومنتدى الرياض الاقتصادي الذي بدأت فعالياته أمس يمثل أحد تلك المنتديات التي تحفل بها بلادنا في الفترة الحالية لتناقش قضايا اقتصادية هيكلية تمثل أولوية في مسيرة التنمية السعودية، انطلاق المنتدى على قاعدة الدراسات والأبحاث لخلق منصة فكرية متقدمة للنقاش حول القضايا الجوهرية يمثل مقدمة صحيحة نحو إنضاج الحلول وصياغتها وفق الواقع أكثر من المأمول، غير أن تفعيل الدراسات والأبحاث يتطلب إطارا واضحا بينها وبين الجهات والمصالح التي ترتبط بمعالجة وتطوير هذه القضايا فلا يكفي أن تطرح الدراسة من قبل باحث أو جهة دون أن تشارك فيها الجهة المعنية بمعالجة هذه القضية بل وتعمل على تمويلها وتعميق دراساتها البحثية الفرعية للوصل إلى حلول تتطابق والرؤية الشاملة للجهات المسؤولة عن إدارة هذا القطاع أو ذاك، فالصيغة التقليدية للمبادرات البحثية لم تعد صالحة لتأسيس الحلول في إطار التشابك والتداخل الذي تشهده أنشطة المؤسسات وانعكاساتها في صورها المعقدة، والتوصية بإنشاء هيئة عليا للاقتصاد المعرفي والتي أطلقها منتدى الرياض الاقتصادي بالأمس تمثل قمة هرم الطموحات نحو خلق اقتصاد معرفي بالمفهوم المؤسسي غير إنها قمة تتطلب جهدا طويلا لتأسيس قواعد تسندها على أكثر من صعيد فالاقتصاد المعرفي منظومة متكاملة من المقدمات تستوجب التفاعل المجتمعي وخلق المناخ الثقافي والإداري لاحتوائها، فالمعرفة التي تشارك اليوم في إنتاج رأس مال هائل يتجاوز ما تقدمه الأصول الإنتاجية التقليدية ينبغي أن تبدأ بالشق التربوي والتعليمي لتأسيس جيل يتعاطى مع المعرفة كمكون اقتصادي وليس مجرد وسيط يقود إلى الوظيفة أو حتى المال أو الجاه دون رابط موضوعي بينهما، وهذا الأمر لا يمكن تأسيسه إلا من خلال مقاربة دقيقة بين البيئة التربوية التعليمية وبين سوق الإنتاج وتحديد نقاط التوافق والتنافر بينهما، فالفاقد المالي المترتب على بطالة المتعلمين في سوق العمل والمقدر بـ170 مليار ريال في عام 1428 - 1429 للهجرة والذي تطرحه الدراسات في السوق المحلي ذو دلالة مهمة في ضرورة ترتيب أولويات صياغة العلاقة بين المعرفة والإنسان في الإطار الاقتصادي والاجتماعي المحلي.
****