في ظل قمة المناخ، وما يحدث في العالم من نشاط غير عادي للحد من التغيير المناخي في العالم، لم يحرك العالم العربي ساكناً من أجل تناول تلك المتغيرات، ولعلهم يدركون أن ما يهدد العرب ليس فقط التغيير المناخي القادم، الذي تدخل تأثيراته على الصحراء العربية في غير المؤكد حسب آخر التقارير، لكن التصحر هو الخطر الحقيقي، الذي أصبح كالسرطان الذي يأكل الأخضر في البيئة العربية، والأراضي العربية بدأت معها ظاهرة التصحر منذ عقود، ولم يعملوا من أجل وقف الخطر القادم، والأجواء التي يعيشون فيها هي الأسوأ من بين دول العالم، لكن لا يعني ذلك أن الوضع لن يسوء أكثر من ذلك، فتهديد العطش هو العامل الآخر الذي يهدد حياة الشعوب..
أدى اكتشاف النفط في دول الخليج العربي إلى قلب موازين التحولات الديموغرافية لأول مرة نحو الجنوب في تاريخ المنطقة العربية، فتكوين الدولة، وتحول بوصلة الثروة وهبت الإنسان العربي في الجزيرة العربية أملاً جديداً في الإفلات من مصير الفقر والعطش، وسخرت له الوسائل الضرورية للاستقرار الحضاري، وللمد البشري، فتضاعف سكانها عشرات المرات، وصارت لأول مرة في التاريخ هدفاً للعمل وطلب الرزق لسكان الشمال. لكن هاجس أزمة المياه المستمر، وازدياد السكان المستمر يشكل (الخطر) المحتمل، ودون حلول جذرية لتلك المعضلة، سنظل نعيش على هم الأزمة أو الكارثة المرتقب حدوثها في مستقبل الأيام..
من أصعب التحديات التي يواجهها سكان وسط جزيرة العرب تهديد التصحر البيئي وخطر الجفاف، فعدد السكان تضاعف عدة مرات خلال ثلاثة عقود، وهو أمر مخالف لنواميس الطبيعة في الصحراء، إذ عادة ما يتكاثر السكان حول الأنهار والسواحل، وهو يجعل من مهمة مواجهة قسوة البيئة أحد أهم التحديات التي نواجهها في مستقبل الأيام..
تنذر ازدياد أرقام السكان ونقص المياه الجوفية بتكرار معاناة الإنسان القديم مع شح المياه في جزيرة العرب، لكن الإنسان العربي في الزمن الحالي يعيش وسط عوامل حضارية لم تحدث من قبل، وذلك لتوفر مصادر الطاقة. ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وهي ظروف قد تهيئ إيجاد تقنيات قادرة على قهر الطبيعة القاسية، وعلى التغلب على دورة الهلاك التاريخية في صحراء الجفاف، لذلك يجب مواجهة الحقائق المرّة بكل شجاعة، وتوظيف قدرات العقل البشري في العمل على إيجاد حلول جذرية، لا تقف فقط عند نشر الإرشادات لخفض الاستهلاك، فمهما انخفضت كميات استهلاك المياه، فلن تقضي على خطر الجفاف وشح المياه في المستقبل...
ظاهرة شح المياه الجوفية ستهلك الحرث، وستؤدي إلى انحسار المحاصيل الزراعية وهلاك الماشية، وانتشار الأمراض الوبائية، والاهتمام الرسمي بالمعضلة واضح للجميع، لكن هل الجهود الحالية قادرة على إيجاد الحلول الجذرية؟؟
تتحدث الأخبار المحلية عن جهود جبارة تقوم بها وزارة المياه، وأنها تسابق الزمن في العمل من أجل الاستثمار المستمر في صناعة تحلية المياه، وهو ما قد يكون الحل السحري لأزمة المياه في المملكة، لكن ذلك الجهد الكبير لا يصاحبه تطور في معالجة مياه الصرف الصحي، التي لا تزال نسبة معالجتها متدنية عن المقارنة مع بعض الدول المجاورة، وبنظرة سريعة إلى حجم المياه في بحيرة المسك في جدة أو مياه النهر الحاير في جنوب الرياض الذي تقدر بملايين الأمتار المكعبة، لم نسمع عن أي خطط من أجل تركيب المحطات لمعالجة مياهها ثم استغلالها في الزراعة حول المدن والقرى، من أجل ألا تكون مصدراً للتلوث البيئي وانتشار الأوبئة، لكننا ما زلنا نأمل في وزارة المياه أن تقوم بتلك الخطوة الضرورية في مقاومة التلوث البيئي..