Al Jazirah NewsPaper Sunday  20/12/2009 G Issue 13597
الأحد 03 محرم 1431   العدد  13597
معركة باكستان التالية
حسن عباس

 

لقد بات ملاذ الإرهابيين في إقليم وزيرستان الجنوبي الواقع على حدود باكستان القَبَلية مع أفغانستان قاب قوسين أو أدنى من التفكك والانهيار.

لا شك أن الأمر استغرق بعض الوقت حتى تمكن الجيش الباكستاني من التحرك ضد العنف والفوضى المتصاعدين في الإقليم، ولكن حملته في وزيرستان الجنوبية تحرز تقدماً ملموساً الآن.

إن التأثير المباشر لهذه الحملة يتمثل في تصميم باكستان على ترسيخ سلطتها في المنطقة. ولكن الفرصة المتاحة للقوات العسكرية لسد فراغ السلطة لن تظل متاحة إلا لفترة وجيزة. فقد أظهر الإرهابيون من قبل قدرتهم على تلقي الضربات، ثم الرد، بل وحتى إعادة بناء شبكاتهم.

الواقع أنه حتى أثناء عملية (طريق النجاة) التي بدأها الجيش الباكستاني في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أظهرت عشرات الهجمات الإرهابية المدمرة التي شهدتها مدن باكستان الرئيسة مدى نفوذ المقاتلين في وزيرستان الجنوبية. وفي حالات قليلة، تم استهداف ضباط كبار في الجيش والاستخبارات خارج مساكنهم في إسلام أباد، وذلك على الرغم من التدابير الأمنية المكثفة داخل العاصمة وحولها.

وكان هجوم الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول على مركز قيادة الجيش في روالبندي هو الأكثر جرأة على الإطلاق - ولقد أرسل ذلك الهجوم رعدة عبر أروقة القيادة العسكرية، وذلك لأن الإرهابيين كانوا على عِلم بتصميم المباني العسكرية والأمنية. ولكن هذه المعرفة الداخلية عملت أيضاً ضد مصلحة المقاتلين المسلحين، وذلك لأنها أظهرت ما أصبح على المحك بالنسبة للبلد بأسره. ولم يُسَجَل في أي مكان من باكستان أي احتجاج ضخم ضد العملية العسكرية التي شهدتها وزيرستان الجنوبية.

ولكن النجاح في وزيرستان الجنوبية لا يشكل سوى نقطة انطلاق للتعامل مع المشكلة. ذلك أن المحاور المسلحة منتشرة عبر المناطق القبلية ذات الكثافة السكانية الخفيفة، بما في ذلك مناطق وزيرستان الشمالية، وأوراكزاي، وموهماند. فضلاً عن ذلك فقد انتشرت النزعة القتالية العنيفة الآن إلى باكستان بالكامل. فالآن تشهد منطقة جنوب البنجاب نمواً سريعاً في عدد المتعصبين دينياً، واستئصال جذور المشكلة هناك يشكل تحدياً أعظم كثيراً من العمل في المناطق القبلية البشتونية.

لقد عمل العديد من المقاتلين المسلحين في البنجاب على نحو وثيق مع أجهزة الاستخبارات الباكستانية لسنوات، والبنية الأساسية التي يعتمدون عليها منتشرة ومخبأة في العديد من المدن والقرى. والجيش الذي يعمل على تجنيد السكان بكثافة في البنجاب لن يستخدم القوة هناك كما يفعل في المناطق القَبَلية. ولن يكتب النجاح لأي جهود لفرض القانون في قلب باكستان إلا إذا كانت جهوداً منسقة وتحظى بدعم كامل من جانب أجهزة الاستخبارات.

وتنعكس الأزمة الأمنية العميقة التي تواجهها باكستان عبر الحدود إلى أفغانستان، وهو ما يعد نموذجاً لما لا ينبغي أن يحدث. فلم تستغرق حركة طالبان الأفغانية، التي أطيح بها من السلطة واجتثت من البلاد بنهاية عام 2001، سوى بضع سنوات حتى تمكنت من إحياء نفسها، ويرجع ذلك إلى فشل أو تقاعس الحكومة الأفغانية وأنصارها الدوليين عن إعادة بناء البلاد ودعم استقرارها.

كان العامل الحاسم في إحياء حركة طالبان هو الملاذ الآمن الذي وجدته في المناطق النائية الواقعة على الحدود الباكستانية الأفغانية، والدعم الذي استمرت في تلقيه من قِبَل عناصر من داخل باكستان. ولكن في هذه المرة، ومع طرد طالبان الأفغانية من باكستان، فلابد وأن تكون قوات حلف شمال الأطلنطي والقوات الأفغانية على أتم استعداد للتعامل معها.بينما تراقب الولايات المتحدة وأفغانستان والهند القتال الدائر في باكستان فإنها تتوقع من الجيش الباكستاني أن يتعامل مع كل من طالبان الأفغانية والمقاتلين الباكستانيين.

ولكن الآلاف من المقاتلين منتشرون في المناطق القبلية البشتونية في باكستان، ويركز العديد منهم على العمليات في أفغانستان. وتشير تحركات المتطرفين عبر الحدود إلى أهمية التعاون الدولي.

فضلاً عن ذلك فإن التحالفات بين الجماعات المتطرفة تتغير على نحو مستمر، وهو ما يعكس التقاليد القَبَلية والانتهازية. لقد عجز المراقبون في الخارج الذين يشاهدون هذه التحولات، والكيفية التي تتعامل بها الحكومة الباكستانية معها، عن تمييز نمط ثابت من شأنه أن يفسر السياسة الباكستانية. ولكن في هذا السياق، لابد من وضع السياسات الإقليمية في الحسبان، وبخاصة تلك الخصومة المستمرة بين الهند وباكستان.

في كل مرحلة من مراحل الصراع المطول الذي جلب الولايات المتحدة إلى المنطقة، كان الباكستانيون يسعون إلى الحد من النفوذ الهندي في أفغانستان. والواقع أن نفوذ الهند المتزايد واستثماراتها المتنامية في أفغانستان تشكل مصدر إزعاج واضح لأجهزة الأمن الوطنية الباكستانية. وفي النهاية فإن ديناميكية السياسات الأفغانية سوف تحدد مصير أفغانستان. ولكن الجهود التعاونية من جانب الهند وباكستان في دعم استقرار البلاد قد تصنع المعجزات.وبالنسبة لكل من باكستان والهند فإن أفغانستان تشكل مجازفة تتلخص في احتمالات تحول أفغانستان إلى منطقة جديدة متنازع عليها، مثل كشمير، حيث تسبب الصراع في تدمير كل من البلدين لأكثر من ستين عاماً. وفي أفغانستان اليوم، أصبح لدى البلدين الفرصة لرفض تلك السابقة والعمل على دعم مصالحهما المشتركة في دعم الاستقرار.

لابد وأن تكون باكستان قادرة على التركيز داخلياً على مستقبلها. والواقع أن باكستان المعسرة مالياً والمشلولة سياسياً تحتاج إلى المساعدة الدولية حتى تتمكن من جلب التنمية إلى مناطقها القَبَلية المحررة والأمل إلى الشباب -65% من تعداد سكان باكستان- الذين يعيشون هناك. أما عن الهند فإن الاستقرار في باكستان وأفغانستان من شأنه أن ييسر من اكتسابها مكانة القوة الاقتصادية العالمية العظمى. وكل من البلدين لابد وأن ينتهز فرصة التعاون التي تتيحها حملة الجيش الباكستاني ضد المقاتلين المسلحين في وزيرستان.

***

حسن عباس كبير مستشاري مركز بِلفر التابع لكلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد