انتهى موسم الحج، وبنهايته انتهت آمال النفوس المريضة، وتحطمت إرادة الشر والفتنة، وخابت شهوات التدمير وإثارة القلاقل والاضطراب، وطارت هباء منثورا تذروها الرياح كل خطط الشيطان ومكائد أعوانه التي كانت تخطط للإفساد والعبث والرفث في الحج، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وأن يحفظ ضيوفه الذين جاؤوا ملبين دعوة أبيهم إبراهيم من شتى بقاع الأرض يبتغون رحمة الله ومغفرته ورضوانه، تحطمت شهوة الشر وخابت وتبددت فوق صخرة الحق التي تبتغي مرضاة الله، التي تؤمن بأن المكر السيئ لايحيق ولايمحق إلا أهله، وأن الله هو الحافظ من كل شر، المعين على كل خير.
الفرق شاسع بين الأيدي التي تنفق وتبني وتسعى في كل ما يحقق راحة الحجاج وإسعادهم، وتلك التي تهدم وتدمر وتسعى في كل ما يفضي إلى الفرقة والتناحر، بين من يسخر إمكاناته في الخير وذاك الذي يسخرها في الشر، بين من يعنى براحة ضيوف الرحمن، وبين من آلى على نفس إلا أن يرفث ويفسق ويفسد في الحج، بين من يلهج بالدعاء ويردد لبيك اللهم لبيك، وذاك الذي يردد شعارات جوفاء كاذبة لاتجدي نفعا ولا تدفع ضررا.
إن المتابع المنصف لمسيرة الحج في هذا العام يلحظ الجهود الكبيرة الجليلة الموفقة التي بذلتها حكومة خادم الحرمين الشريفين وبتوجيه كريم منه، جهود شاخصة ماثلة للعيان، يدركها القاصي والداني، جهود عم نفعها وخيرها كل حاج، جهود يسرت أداء مناسك الحج وسهلتها، جهود أزاحت عن كاهل الحاج العناء والتعب والكثير من المشاق والهواجس والمخاوف التي كان يكابدها ويعانيها أثناء أداء المناسك، وحل مكانها طمأنينة وراحة وسلام جلل النفوس وكساها بشاشة وتسامحا وحبا ولينا وبشرا وفرحا واستبشارا وتعلقا بالخالق سبحانه وتعالى، وسكينة ووقارا غمر القلوب وملأها إيمانا وخشوعا وتضرعا وتقوى وخشية وتوبة وتذللا وإقبالا على الله.
إن المشروع الذي تم اعتماد تنفيذه في توسعة المسعى يعد في مقدمة الأعمال الموفقة التي سهلت على الحجاج والمعتمرين أداء نسكهم ويسرتها عليهم، هذا العمل الجليل جعل السعي بين الصفا والمروة سهلا ميسرا، لانصب فيه ولا تعب، لاقلق ولا خوف، وهذا مما مكن الحجاج والمعتمرين وساعدهم على توظيف هذا النسك في إعادة تقويم أحوالهم، وإعادة تكوين أنفسهم بالتحلي بجملة من السمات والشمائل التي جللت نفوسهم وغيرتها إلى حال هي الأقرب إلى خالقها سبحانه وتعالى، وغمرت قلوبهم وبدلتها إلى حال هي الأتقى والأخوف من الله سبحانه وتعالى.
وتزامن مع إنجاز مشروع توسعة المسعى العمل في مشروع جسر الجمرات، لأن أداء نسك هذا المشعر العظيم يصاحبه في كل عام الكثير من الخوف والقلق لدى الحجاج ولدى الأجهزة الحكومية التي تشرف على أعمال الحج وتنظمها، وجاءت الإرادة الملكية برؤية موفقة تبتغي مرضاة الله، مستمدة العون منه سبحانه، وكان التوجه بهذا المشروع الذي يعد أحد المعالم الحضارية ليجعل من خوف الحجاج وقلقهم من خبرات الماضي التي لن تعود بإذن الله، هذا المشروع العملاق أثبت بما حققه من راحة وطمأنينة وتيسير على الحجاج وتسهيل لهم على أداء نسك كان يعد من أشق أعمال الحج وأكثرها صعوبة إنه أكبر وأجل من أي قيمة مادية مهما عظم مقدارها، لأن هذا المشروع ساعد على المحافظة على سلامة الحجاج وأمنهم النفسي والبدني، إن مشروع جسر الجمرات، ومشروع القطار الذي يجري حاليا تنفيذه وغيرها من المشروعات الأخرى تترجم الإرادة الملكية الصادقة في خدمة الحرمين الشريفين، وتعد دليلا عمليا على أن خدمة الحجاج والسهر على راحتهم في أيد أمينة أعطت هذه المشروعات أولوية مطلقة في الإنفاق والتنفيذ.