الجزيرة - خاص :
سلطان بن عبدالعزيز رمز إنساني تتجمع حوله القلوب وتتعطر بسيرته الذكريات... أحد مرافقي سمو ولي العهد أبى إلا أن يسترجع مقتطفات من (السفر الإنساني) لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام تختزلها ذاكرته التي تعج بالكثير منها عبر صفحات الجزيره مؤكداً أن ذاكرته تحمل الكثير من مواقف هذا الإنسان المواطن الذي تجسدت كل معاني الإنسانية في ابتسامته الصادقة التي لا تفارق محياه...
وقد تركت الجزيرة للمواطن مشاري بن بدر بن زريبان أن يبحر بسفينة ذكرياته ليسرد على القراء بعضاً من عبق ذكرياتها حول سيرة الأمير الفارس سلطان بن عبدالعزيز فإلى حديثه:
حظيت بشرف مرافقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز من عام 1390هـ فتعلمت منه الخير ولمست كثيراً من محاسنه ومآثره عن قرب وعرفته، الإنسان المتواضع ذو القلب الرحيم واليد الكريمة فقد هدي لحسن الخلق وسعة الحلم والابتسامة المشرقة في وجه الضعفاء والفقراء والمعوزين.
أذكر عدة مواقف على سبيل المثال لا الحصر فمواقف الأمير أكثر من أن تحصى فعطاؤه كثير وكرمه بلا حدود فهذه بعض مواقف مما رأيت وشاهدت من خلق الأمير.
سيل العرم وسيل الكرم
كنت أحد مرافقي الأمير في الطائف في عام 1976م وبعد يوم مطير وسيول عارمة اشرقت الشمس واعتدل المناخ وأحب الأمير أن يخرج في نزهة لتناول الغداء في شعاب ووديان الطائف ذهب مسؤول المخيم لاختيار المكان المناسب لنزهة الأمير وبينما هم مشغولون في نصب الخيام لاحظوا بقربهم عائلة بأكملها تحت شجرة وكانوا يظنونهم من المنتزهين وعند سؤالهم تفاجئوا بأن العائلة قد دمر منزلهم السيل وأغرق مواشيهم من الابل والغنم رقت قلوبهم للعائلة واحسنوا ضيافتهم وبقدومنا مع الأمير على المخيم أخبرونا بحال هذه العائلة وما فعل بهم السيل طلب الأمير على الفور رب الأسرة وأخبره بقصته كاملة فأمر الأمير بناء خيام لهم واصلاح ما دمره السيل وتعويضه عن الأغنام كما قام بتثمين كل ناقة غرقت بعشرة آلاف ريال في ذلك الوقت كان يعادل عشرة أضعاف قيمة الناقة الفعلية في ذلك الزمن، وقفا أمام الأمير نستشعر هذا الموقف كيف ساق الله السبيل ليلا ليدمر منزل هذا الرجل ويغرق مواشيه وعند الغد ساق الله سبيل من الكرم على يد الأمير سلطان بن عبدالعزيز ليصلح سيل الكرم العامر الماء الدامر.
خرج الرجل من عند الامير بعد تناول معه الغداء وهو يدعو له بالخير وخنقته العبرات في حلقه بعد أن عوضه الله خيرا مما فقده.
تواضع وإنسانية
كنت أصلي مع الأمير بمسجد - الخالدية في جدة عام 1982م بعد أن فرغ الأمير من صلاته وقف الأمير على باب المسجد كأنه ينتظر أحداً بادر أحد رفاق الأمير بسؤاله عن سبب وقوفه في الشمس على باب المسجد فقال الامير لقد رأيت شخصا كبيراً وطاعنا في السن بالمسجد وهو وجه غريب لم أشاهده من قبل فأحببت أن أنتظره لحظات حتى يفرغ من صلاته لعله قصدني في حاجة فأقضيها له فإن خرجت من المسجد قد تحجبني عنه المسؤوليات والمهام والمواعيد فلا يستطيع أن يراني فلا ضير أن انتظر أحداً من المواطنين فالكثير منهم ينتظر حتى يراني.. بعد أن فرغ الرجل من صلاته خرج من المسجد فوجد الأمير في انتظاره على باب المسجد ليستقبله بابتسامته المعهودة على محياه التي تشعر الشخص المقابل له بتواضع الأمير وسعة الصدر وحسن إصغائه كما تحثه تلك الابتسامة بالاسترسال في الحديث بطلب الحاجة دون أن يشعر برهبة في مواجهة الأمير.. بادر الأمير ليسأل الشيخ قبل أن يسأل حاجته وقضى جميع حوائجه وأحسن ضيافته.
لقد كان موقفاً اشعرني بتواضع الأمير فلم تحول الامارات والسلطان والمراسيم أن ينتظر ذلك الرجل المسن على باب المسجد حتى يفرغ من صلاته.. فهذا موقف من مواقفه الخالدة في ذاكرتي.
رسالة مع البريد المستعجل
كنا في رحلة صيد مع الملك خالد رحمه الله والأمير سلطان أطال الله في عمره في الصمان تحديداً في جو الصفي وكان أمتع الأوقات عند الأمير سلطان أثناء خروجه في هذه الرحلات بأنها تغير الرتابة اليومية والرسمية لأيام العمل الطويلة ومع ذلك كان يحرص الأمير أن يعرض عليه البريد اليومي حتى في أيام الرحلات لاتخاذ الإجراءات والقرارات العاجلة فيما يستجد من أمور وكان البريد يعرض كاملاً على الأمير بلا أي انتقائية للرسائل وذلك بناء على توصيات سمو الأمير فكان من ضمن البريد الوارد في ذلك النهار رسالة داخلية لظرف متواضع كتب مرسلها على طرفيها الرجاء لا تفتح إلا بيد الأمير سلطان بن عبدالعزيز فقط، فتح الأمير الرسالة بنفسه وقرأها وقد كانت من مواطن يسكن في المدينة المنورة يشكي العوز والقلة وهو معيل لأسرة كبيرة ويسكن بالإيجار ولا يملك بيتا فضلاً عن كونه متقاعدا وطاعنا بالسن وما أن فرغ الأمير من قراءة الرسالة حتى استجاب لنداء هذا الضعيف وأجرى اتصالاً هاتفيا مع اللواء الخربوش في المدينة المنورة وأمره بشراء منزل لذلك الرجل مع مبلغ يعينه على تكاليف الحياة.
وقفت أتفكر في إنسانية الأمير وعطائه اللامحدود كيف استجاب بسرعة لنداء هذا الضعيف من خلال تلك الرسالة فقط بلا وسطاء أو شفعاء وقد قضيت حاجته وهو في بيته دون أن يكلف نفسه عناء السفر والانتظار في مقابلة الأمير.
قصة طفل عراقي
كنت أتلقى العلاج في مستشفى جورج تاون في الولايات المتحدة في عام 1984م وكنت جالساً في غرفتي أثناء فترة النقاهة بعد العملية التي أجريتها فدخل علي شخص عربي ولا أعرفه ألقى علي السلام وسألني عن حالتي الصحية.
ثم استرسل بالحديث قائلاً:
لقد عرفت أنك عربي وحبيت أن أتعرف عليك، عرفت الرجل من لهجته بأنه عراقي وكان الرجل بسيطا لا يبدو عليه آثار الغنى واستغربت من وجود ابنه في هذا المستشفى باهظ التكاليف فسألته عن حالة ابنه اخبرني في سقوط صاروخ على منزلهم أثناء الحرب العراقية الإيرانية مما أدى إلى تدمير المنزل وإصابة ابنه إصابة بالغة تعثر في كل مستشفيات العراق وقد حاول بكل الطرق والوسائل أن يبعث ابنه عن طريق وزارة الصحة العراقية ولم تفلح جهوده في هذا المجال.
يقول الرجل: ضاقت بي السبل وأغلقت كل الأبواب في وجهي وأنا أرى ابني تنتكس حالته الصحية يوما بعد يوم عندها تذكرت الأمير سلطان بن عبدالعزيز فكنت أسمع بكرمه وجوده ومساعدته للضعفاء فأرسلت الرسالة للسفارة السعودية في بغداد لسمو الأمير وكان الكثير من أقاربي يضحك ويسخر مني هل الأمير متفرغ لقراءة رسالتك وسط زحمة المسؤوليات والمهام الجسام من حوله.
يقول الرجل: لم أنتظر طويلاً وقد أتاني الفرج من الله ثم من يد الأمير سلطان بن عبدالعزيز فأرسل تذاكر سفر لي ولعائلتي وتحمل تكاليف العلاج في هذا المستشفى الكبير والبعيد والحمد لله تحسنت حالة ابني وبدأ يتماثل للشفاء..
وراح يدعو للأمير بطول العمر ودوام الصحة والعافية. ويؤكد أن سلطان نصره على الشامتين.
بعد سرد هذا الرجل قصته أخبرته أنني مبتعث أيضاً على نفقة الأمير للعلاج في هذا المستشفى فهذا سلطان الخير كما عهدناه في قلبه الرقيق المملوء بالرحمة والشفقة على الضعفاء والفقراء وبكرمه وسخائه الذي لم يقتصر على مواطنيه فقط بل فتح أبواب الخير على الكثير من الضعفاء في الأقطار العربية والإسلامية بل في العالم عبر المؤسسات الخيرية التي يحمل غوثها الكثير من الفقراء في أقطار الأرض.
الخاتمة
تعجز الكلمات وما فيها من حروف أن تفي بقدر سلطان الإنسان..
ونسأل الله العلي القدير أن يمد في عمره ويلبسه ثوب الصحة والعافية.