Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/12/2009 G Issue 13594
الخميس 30 ذو الحجة 1430   العدد  13594
نوافذ
الإرادة
أميمة الخميس

 

الأضواء الإعلامية المكثفة، التي سلطت على كارثة جدة، كشفت لنا - بين ركام الفاجعة والمصيبة - تلك الروح الشاهقة والإرادة الوثابة التي انبثقت وتبلورت عبر لجان التطوع، وهي من هناك كانت ترسل إشارة واضحة إلى نضوج الوعي الجمعي تجاه المحيط العام، واكتمال حس المسؤولية والانتماء، ليس هذا فقط؛ بل إن هناك الكثير من الشرائح الاجتماعية باتت تمتلك القدرة على التنظيم والتخطيط واستثمار الطاقات الشابة والجيشان الشعبي بهدف خلق عمل اجتماعي متناغم متكامل وقادر على أن يقدم خدمات عديدة للمكان.

وإن كانت كارثة جدة هي التي دفعت تلك اللجان إلى الواجهة، إلا أن ارتفاع حس المسؤولية والوعي العميق لدى مدن أخرى في المملكة جعلها تقدم على خطوات تحمل أبعاداً إيجابية متعددة في نواح أخرى تتعلق بالعمل التطوعي والأهلي؛ فعلى سبيل المثال: المجلس البلدي في مدينة (بريدة) اتخذ قراراً جمعياً بمنع بيع وتداول الدخان في المدينة، وهكذا امتثلت للقرار جميع نوافذ البيع وبرزت مدينة بريدة كأول مدينة سعودية ذات رئات نقية، ولم ينتظر المجلس البلدي قراراً فوقياً يصلهم عبر تعميم من وزارة الصحة مثلاً، أو منعاً تقوم به وزارة التجارة ليقوم على هامشه سوق سوداء، بل تحرك مجلسها البلدي واستصدر هذا القرار بحسب الصلاحيات الممنوحة له, في وقت تعاني فيه المجالس البلدية، في عموم المناطق، من خمول الذكر والوهن وبُعدها تماماً عن دائرة الفعل.. وليس فقط مدينة بريدة من فازت برئات نقية؛ لكن هناك لوحة إعلانات ترتفع في مدخل مدينة الدرعية تعلن أنها أصبحت مدينة خالية من السجائر تبعاً لإرادة شعبية شاملة لسكانها.

جميع ما سبق يحيلنا إلى أن هناك إرادة شعبية قد وصلت مرحلة الرشد، وتبلورت وباتت قادرة على أن تنخرط في الشأن العام بحب وولاء وإخلاص، تحت مظلة الوحدة الوطنية التي تبدت لنا عندما لم تقتصر لجان الإنقاذ على اللجان التطوعية في جدة بل لبت نداء الحاجة لجان تطوعية أخرى في كل من الرياض والمنطقة الشرقية، وعدد آخر من المدن المكتنزة بالحس الوطني.

على الرغم من أن الفرد الذي اعتاد من خلال الاقتصاد الريعي على أن يكون أنانياً سلبياً تجاه الشأن العام؛ لأن الدولة هي من تقوم بالمهام جميعها عنه وبدون المرور به، إلا أن المؤشرات السابقة أخبرتنا بأن هناك إرادة جمعية في طور التشكل والوضوح، وهي إرادة قادرة على أن تتصدى لكثير من المشكلات والمآزق التي من الممكن أن تحل بالمجتمع أو حتى على نطاق الوطن، هذا النشاط والقدرات لا بد أن تدرج في صيغة مؤسساتية قادرة على أن تحتويها وتُبعدها عن المؤقت والآني أو ما يأتي عن طريق الفزعة فقط.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد