لا أعتقد أن المرور في الرياض يمر بحالة فوضوية مثلما هو عليه الأمر الآن. المشكلة سببها أن المدينة تكبر وتتضخم وفي المقابل لا يواكب المرور تطور واتساع الرياض. ليس لديّ إحصائيات دقيقة عن عدد السيارات العاملة في الرياض، إنما الذي أنا متأكد منه أن الخدمات المرورية أقل مما تحتاجه هذه المدينة الضخمة سكاناً ورقعة جغرافية وعدد سيارات.
سمعت مثلما سمع غيري بمشروع نظام الكاميرات؛ كان العاملون في المرور يعدون بأن وضع هذا النظام موضع التنفيذ سيكون في القريب (العاجل)، غير أن هذا القريب تمدد دون أن ندري ما السبب. ومع طول المدة والتأجيل أصبح الضبط المروري في الرياض في غاية التسيّب واللا انضباطية.. حتى إشارات المرور التي كانت في الماضي يندر من يتجرأ على قطعها وهي حمراء أصبحت مثل (المطب) الصناعي الآن، قد يُعيق الحريص، لكن اللامبالي لا يُعيره أي اهتمام. خطورة التسيب المروري أن التساهل فيه، وعدم أخذه مأخذ الجد، وضعف الرقابة، يُحيل القضية إلى ثقافة، مثلما هو الأمر في بيروت مثلاً، حيث لا أحد في تلك المدينة الفوضوية يقف عند الإشارة الحمراء، أو يحفل بأية ضوابط مرورية.
وإذا ترك الأمر كما هو عليه الآن فإن إعادة بناء الثقافة المرورية سيكون في غاية الصعوبة، وستصبح الرياض كبيروت. ويبدو أن مشكلة مرور الرياض مشكلة مؤسسية؛ من يذهب إلى أي قسم من أقسام المرور لإنهاء معاملة مثلاً سيجد أن هذه المؤسسة تكتنفها الفوضى وعدم الانضباطية، حيث الواسطات (على قفا من يشيل).
وكنت مع بعض الأصدقاء نتحدث عن مرور الرياض، والحالة المتردية للضبط المروري، فاتفق الجميع على أن الواسطة هي (أس) البلاء؛ فعندما تحتاج لأي خدمة أول ما يتبادر إلى ذهنك أن تبحث عن واسطة لإنهاء هذه الخدمة.
عبارة (ما تعرف أحد في المرور) أصبحت تتردد في كل المجالس تقريباً، ولو أن الإجراءات منظمة، وحازمة، وكسرها، أو تجاوزها، يعتبر (جنحة) يعاقب فاعلها، ويُشهر به، كما يعاقب ويشهر بالمرتشي مثلاً، لما وصلت الحالة المرورية إلى هذه الدرجة من السوء.
كما أن خطورة ترك الواسطة دون محاولة حازمة لكبحها من قبل مسؤولي المرور قد تنتهي بنا إلى أن نكون مثلما عليه الوضع في بعض البلاد المجاورة، حيث الرشوة أو (البخشيش) أصبح يحكم العلاقة بين رجل المرور وبين المواطن والمقيم.
في البحرين مثلاً تجد السعودي الذي لا يكترث بالضوابط المرورية في الرياض، في منتهى الانضباط المروري هناك، والسبب كونه يعرف أن الضبط المروري أفضل من المملكة، إضافة إلى أنه يعي أن المخالفة تعني أن العقاب سيطاله حتماً، ولن يجد واسطة تحميه من العقاب، الأمر الذي جعله في النتيجة منضبطاً.
النقطة الثانية في هذه العجالة، والتي ربما زادت الطين بلة، أن الرياض تنقصها خدمة (النقل الجماعي)، اللهم إلا بعض الأتوبيسات المهترئة، والنادرة أيضاً، والتي لا تخدم إلا خطاً أو خطين في هذه المدينة مترامية الأطراف.
أما سبب غياب النقل الجماعي فلا أدري ما سببه؛ غيابه ساهم بلا شك في الاختناقات المرورية.
والخلاصة أننا في حاجة -أولاً- إلى توظيف التقنيات الجديدة في الضبط المروري، وثانياً العمل بجد وحزم على إعادة تنظيم المؤسسة المرورية تنظيماً جذرياً، يجعل عبارة (ما تعرف أحد في المرور) تختفي دونما رجعة.
إلى اللقاء،،،،