ما يزال هذا العلم الإمام مجدداً ومتجدداً، ومن ذلك أن نجد طبعة أولى لكتاب من إملائه بعد أربعة وخمسين عاما من وفاته رحمه الله، حيث صدر حديثاً شرح عمدة الأحكام من أمالي العلاَّمة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي رحمه الله تعالى (ت1376)، وذلك بتقديم تلميذه سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، وبتحقيق حفيده الشيخ أنس بن عبد الرحمن بن عبد الله العقيل، في ثلاثة مجلدات، الناشر/ دار النوادر، الطبعة الأولى 1431هـ - 2010م.

هذا الكتاب من نفائس تراث العلامة السعدي الذي يخرج لأول مرة، وهو عبارة عن شرح قيم لكامل متن عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، قام العلامة السعدي بتدريسه لطلابه، واعتنى بتقييد ما أملاه عليهم تلميذه الكبير الشيخ عبد الله العوهلي (ت 1408) رحمه الله تعالى، ووصلنا الشرح بخطه في (632) صفحة، وكتب فيه أنه جمعه من تقريرات شيخه السعدي على الكتاب، ويظهر أن التقريرات كانت سنة 1349، كما هو مثبت في آخر الكتاب، وفي موضع آخر داخله.

ومن ميزات الكتاب ما كتبه سماحة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل في تقديمه، إذ قال: (ويظهر فيه كسائر آثار شيخنا نَفَسُه العلمي، وجودة ذهنه، ودقة استنباطه، وتحريه للدليل، وسعة أفقه، وحرصه على تبسيط المعلومة، وإفادة الطالب علمياً وتربوياً. وهكذا كانت دروسه رحمه الله، نجد فيها الفائدة الغزيرة، بالأسلوب الواضح الخالي من التكلف، مقرونة بالدليل، والمران على الترجيح، بأسلوب تربوي حكيم).

وذكر المحقق (1/11-12) شيئاً من ذلك، وذكر أيضاً أن فيه: (فوائد ومُلَحاً علمية يعز اجتماعها في كتاب واحد... كسرده لبعض الوقائع التي حصلت لبعض أهل العلم المعاصرين له، وكإفادته لأمور حديثيّة في باب النقد والتعليل، وأخرى في الاستدراك على المصنف في ترتيبه للأحاديث..) إلخ.

ومن هذه الفوائد التاريخية والعلمية قصة الشيخ العلامة عبد الله البابطين مع تلميذه الشيخ سليمان بن مقبل في صيام يوم الشك، قال العلامة السعدي: «وكان الشيخ عبد الله أبا بطين يرى فطره، ولما كان قاضيا في عنيزة كان يعمل برأيه، فلما راح إلى بريدة وكان قاضيها تلميذه الشيخ سليمان بن مقبل، وكان يرى صيام ذلك اليوم، فتابعه الشيخ عبد الله أبا بطين على رأيه، فقيل له في ذلك، فقال: الخلاف شر، والاجتماع خير). وهذه لطيفة في أدب الخلاف ومراعاته.ومما خدم به المحقق الكتاب أنه جمع الاختيارات الفقهية للشارح العلامة السعدي ضمن فهارسه آخر الكتاب، وكذلك القواعد الفقهية التي ذكرها في شرحه.

وصدر الكتاب بطباعة أنيقة في ثلاثة أجزاء، وحرف مريح في القراءة، على ورق أصفر.

رحم الله العلامة ابن سعدي، وبارك في آثاره وعلومه وتلاميذه.