Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/12/2009 G Issue 13594
الخميس 30 ذو الحجة 1430   العدد  13594

في السودان... إبداعٌ سعوديٌ ضد النسيان
نادية الحاج محمد أحمد

 

كنت من أكثر الناس فرحاً بنبأ حضور (حواء) ضمن الوفد السعودي المشارك في النشاط المصاحب لمعرض الخرطوم الدولي للكتاب في دورته الخامسة خلال النصف الأول من أكتوبر 2009، وكم تسقطت أخبار الفعاليات تاريخاً وجغرافيةً حتى أتشرف بالحضور ما أمكن ذلك.

ولعل شدة الشوق والتوق إلى شيءٍ تكون حاجزاً بينك وبينه، خلاصة الأمر أنني لم ألتق الوفد النسائي السعودي إلا في ليلته الأخيرة من ليلتيه اللتين قضاهما بالخرطوم، وفي كلمته الأخيرة بقاعة اتحاد المصارف، حيث كان مغادراً إلى دعوةٍ كريمةٍ لكل الوفد السعودي، بمنزل نائب رئيس الجمهورية، فتعلقت اللقاء، والذي تم عندما دعانا الملحق الثقافي السعودي بالسودان إلى مثاقفةٍ بعد العودة من الدعوة الكريمة، وذلك بفندق السلام روتانا.

حينما كنا في الانتظار، ظللت أسترجع في وجداني تجاربي السابقة في التواصل مع المرأة العربية في سائر الوطن العربي. كنت قد عشت أربع سنواتٍ بعد تخرجي في الجامعة معلمةً باليمن، متنقلةً بين محافظاتها، وعند مغادرتي المحطة الأولى بعد عامٍ من العمل متجهةً إلى صنعاء، خرجت نساء قرية (الحمامي) جميعهن لوداعي، وخرج جزءٌ عزيزٌ من قلبي ليبقى حتى اليوم هناك.

زاملت المرأة السورية، فتعارفنا، وتآلفنا، وتهادينا، وتحاببنا، وتعرفت إلى اللبنانية والأردنية من خلال المعايشة والفعاليات الثقافية التي شهدتها الخرطوم عاصمة الثقافة العربية عام 2005. ومن قبل كنت قد درست مع زميلاتٍ مصريات بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، ووادي النيل يقف شاهداً على نهاية الجغرافيا، وبداية التاريخ:

بُورِكْتَ يانِيلُ كَمْ أَرْضَعْتَ مِنْ فِطَن

أهْدَيْتَ صَفْوَاً إلَى أَهْلِ النُهَى العَجَبَا

أما المرأة السعودية فقد كنت أعرفها من خلال الأخوات السودانيات المقيمات بالسعودية، مع قراءاتٍ متباعدة للمرأة السعودية هنا وهناك.

لا يطاوعني قلبي قبل لساني على إطلاق كلمة (الاغتراب) المتداولة تعبيراً عن العمل والإقامة خارج البلاد، فكل أرضٍ عربيةٍ تخرج عن هذا النطاق، فلا غربة إلا لبلادٍ يكون الإنسان فيها غريب اليد واللسان.

إنّ من سمع ليس كمن رأى، و من رأى ليس كمن سمع و رأى، وقد رأيت أن أجمع الفضيلتين في حق معرفة أختي السعودية، أديبةً وباحثةً، وشاعرةً، وصحفيةً، وناقدةً، ونافذةً على مجتمعها، وله، وجسرُ مودةٍ وعلمٍ، وفكرٍ، وثقافةٍ، وقد كانت كذلك في أيام وليالي الخرطوم، وهذا ما وجدته جلياً في تلك الليلة.

المرأة السعودية الممثلة في هذا الوفد الثلاثي، تعلم وتعمل بما تعلم أن لا قيود على الفكر متى كان حراً، نابعاً من الذات، صادراً عن رؤيةٍ ومعرفةٍ عميقةٍ لحقيقة الدور المطلوب، والمرحلة المجتمعية التاريخية للأمة والوطن. والإنسان امرأة كان أو رجلاً، حيث أني خرجت بأن المرأة السعودية ليست لوحاً يخط عليه المجتمع الرجولي برنامجاً، ويمحو آخر، حسب ما تمليه عليه أولوياته ومصالحه، بل هي كيانٌ حرٌ قائمٌ بذاته، واعٍ بدوره، دون الارتهان إلى عقدة المساواة والتشدق بالحقوق، بلا مساجلات ولا مناطحات.

فالرجل السعودي يعي دورها العظيم وهي تعمل معه في مختلف أروقة الحياة، طبيبةً، ومعلمةً، وأخصائيةً نفسيةً، وزوجةً، ولها حق المشاركة في وطنها العربي الكبير، المبني على معرفتها وامتلاكها لناصية الشأن الذي تسهم فيه.

أحيي العزيزة المعلمة الكاتبة الناقدة نورة القحطاني التي قدمت تعريفاً وافياً ضافياً عن المسيرة الأدبية للمرأة السعودية منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اليوم، وفتحت أبواباً متعددة لحوارٍ وتواصلٍ مستمرين، والتحية للإذاعية ذات الصوت والحضور المتميز، الدكتورة أميرة كشغري، والشاعرة المبدعة التي ملأت فضاء الخرطوم شعراً، وفناً، وعلماً، الدكتورة أشجان محمد حسين هندي، وقد أودعَت في عمق ذاكرة الخرطوم قصيدتها الجميلة في حب السعودية والتي عنوانها ((قمرٌ توسَّطَ نّجْمَتين))، لتزيد من حب أهل السودان للسعودية، وهو القديم المتجدد.

وقد كان الوفد السعودي سفارةً ثقافيةً حقيقيةً، ولهم أقول حللتم أهلاً ونزلتم سهلاً، وأضئتم فكراً، ووصلتم قلوباً، وربطتم شعوباً.

كانت ليلة السلام مؤانسةً عربيةً طيبة الخاطر، كانت كالسحر في الفهم العميق، والسلوك العربي الأصيل، الذي يتنزل في حدقات العيون، وأروقة المعرفة الواثقة.

أما واسطة العقد بين الثقافتين السعودية والسودانية، فقد كان سعادة الملحق الثقافي السعودي ناصر البرّاق، الذي عمل من قبل على إيصال المجلة العربية للمثقف السوداني، تلك الراقية المظهر، العميقة التناول، أدباً وفكراً وثقافةً، ومهّد بذلك الطريق أمام هذه المشاركة الثرة، التي أجمعت حولها القلوب، وهي تتطلع إلى المزيد من التواصل واللقاءات هنا وهناك.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد