Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/12/2009 G Issue 13594
الخميس 30 ذو الحجة 1430   العدد  13594

مداخلات لغوية
قردن
أبو أوس الشمسان

 

إن طائفة كبيرة من الألفاظ التي ترد على لسان العامة وتعد من اللهجة هي فصيحة مبنى ومعنى، ومن الخير أن تلحق بالمعجم العربي الذي توقف منذ زمن طويل تزويده بالألفاظ المعبرة عن حركة الحياة واضطرابها والمصاحبة لتغيراتها المستمرة، ومن المشهود أن اللغة ينالها التغير أكثر ما ينالها من جهة معجمها. والفعل (قردن يقردن) من الأفعال التي يستعملها العامة في الجزيرة العربية، قال الشيخ محمد العبودي في (كلمات قضت) 2: 1005، قال: (قردنه: خادعه ولاطفه حتى حصل منه على ما يريد. لعل أصله: قرّده الفصيحة والنون زائدة، ومعناها: جعل ينزع القراد عنه. ومن أشهر ذلك أن يأتي الرجل إلى زوجة له نفور فيظل فترة وبصبر وتؤدة يلاطفها ويحسن لها الكلام، ولا يغضب لغضبها حتى يستطيع أن ينال منها حاجته).

والقُراد بضم القاف حشرة تتطفل على الدواب وبخاصة الإبل، فتتعلق بجلدها وتمتص دمها، ومنه أخذ الفعل (قرّد) بتضعيف الراء، أي أزال القُراد، مثل قشّر أزال القشر، وجلّد أزال الجلد، وهو فصيح المعنى، ولكنهم فكوا الإدغام منه وأبدلوا فقالوا: قردن، ليستحدثوا معنى لطيفًا يزيد على معنى المضعف؛ كما قالوا في كسّر كسمر، وفي قصّل قصمل، وفي صمّخ صلمخ، ويقول أهل الشام في حفّر حنفر.

وأصل الفعل (قرّد) كما جاء في معجم (تهذيب اللغة) (الرجل يجيء إلى الإِبل ليلاً ليركب منها بعيرًا، فيخاف أَن يرغو، فَيَنْزِعُ منه القُراد حتى يستأْنس إِليه ثم يَخْطِمُه). ثمّ إنّ هذا الاستعمال نقل مجازًا إلى تعامل بني البشر؛ إذ يحتال المرء لنفسه عند من بيده الغرض فما يزال يلاطفه حتى يستميله وينال مأربه، قال ابن فارس: (ومنه قرَّدْتُ الرّجلَ تقريداً، إذا خدَعتَه لتُوقِعَه في مكروه)، وجاء في (تهذيب اللغة) ويقال فلان يُقَرِّدُ فلانًا إِذا خادعه متلطفًا... وقال الأخطل:

لَعَمْرُكَ ما قُراد بني نُميرِ

إذا نُزِع القُراد بمستطاع

ولما كان البعير يستأنس بمن يقرده شبه به الإنسان، قال ابن فارس (وممَّا يشتقُّونه من لفظ القُراد: أقْرَدَ الرّجُل: لَصِقَ بالأرض من فزعٍ أو ذُلّ. وقرِدَ: سَكَت)، وتفسير هذا الاستعمال في (تهذيب اللغة): (وإِنما قيل لمن يَذِلُّ قد أُقْرِدَ لأَنه شبه بالبعير يُقَرَّدُ أَي ينزع منه القراد فَيَقْرَدُ لخاطمه ولا يستصعب عليه). ومن لفظ (القراد) أخذ العامة ألفاظًا أخرى فهم يقولون عن الشخص الشقيّ البائس (مقرود) تشبيهًا بالبعير المقرود؛ إذ يكون في الغالب ضعيفًا هزيلاً لا يستقر من معاناته. وكذلك يقولون عن الشخص الشرير الساعي إلى الشرّ والوقيعة بين الناس (مقرود). يقول الشاعر حمد بن ناصر السياري (حميدان الشويعر):

يِشُبَّ الْفِتْنَه مَقْرود

نِزْغَةْ شيطانٍ وِحْلِقَه

وِالى اشْتَدَّتْ مَعالِبْها

قَفّى نايْرٍ مِثْلَ السْلِقَه

والحلقة: الغثيث، والمعالب: جمع علباء كعلابي، والناير: الهارب، والسلقة: أنثى الكلب السلوقيّ.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد