Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/12/2009 G Issue 13594
الخميس 30 ذو الحجة 1430   العدد  13594
تعظيم البلد الحرام: قيم سامية وسلوك مثالي (1)
د. زايد بن عجير الحارثي

 

قال تعالى :(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32) سورة الحج.

إن هذه الآية تشير إلى أن تقوى القلوب تنعكس في تعظيم شعائر الله، ومن شعائر الله البلد الحرام..

...والذي يوجد في أو يتطابق مع مفهومنا لمكة المكرمة والمسجد الحرام بما في ذلك القيم السامية والتي هي جزء من معتقداتنا الإسلامية الإنسانية التي مورست واقعيا في حقبة من الزمن وأعطت مثلا للبشرية زاد من المعتنقين لها والمعجبين بها مثل: التسامح والانضباط والنظافة والاهتمام والتضحية واحترام الآخرين واحترام المكان والزمان وغيرها، وكذلك الامتناع عن السلوك السلبي أو حتى مجرد التفكير فيه.

وقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج.

هذه الآية تشير بوضوح إلى أن من يريد (أي ينوي فقط) عمل إساءة في مكة فله عذاب أليم فكيف بمن يعمل عملاً سيئاً أو غير مؤدب مع عظمة هذا البلد؟

وقد دأب القائمون على رعاية الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ تاريخهما على الاهتمام والحرص علي تعظيمهما ورعايتهما وزوارهما والساكنين فيهما، بل إن مشركي مكة كانوا يحتفون بالحجاج والمعتمرين ويفتحون لهم بيوتهم ويكرمونهم ويقدمون لهم كل حفاوة إجلالاً وتعظيماً للبلد الحرام، وهكذا استمر الاهتمام والتعظيم وأخذ صوراً وأشكالاً متعددة وعلى وجه الخصوص من الحكومات والدول فنجد أكبر وأهم إنجاز للحرم بل وللحرمين الشريفين وما حولها تمت وتتم في العهد السعودي.

أما الأهالي وساكنو مكة وما حولها فهم كسائر البشر بعواطفهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وميولهم وحاجاتهم وتقلبات أحوالهم، يصدر منهم سلوكيات حسنه مناسبة للاحترام والأدب والتعظيم مع البلد الحرام و يدركون قيمة وعظمة وقدسية ومعنى السكن فيه وحرمته وما يترتب على ذلك من سلوك وأفعال سواء بالتوارث أو بالمعايشة والعلم بمعني القدسية لهذا المكان. إلا أن البعض من الذين يقطنون هذا البلد أو الزائرين والمعتمرين له لا يدركون المعاني والقيم التي يفرضها بقاؤهم وسكنهم في مكة فيصدر منهم ما يتعارض مع تلك القيم والمعاني؛ سواء في سلوكهم المعتاد أو تفاعلهم مع الآخرين الأمر الذي يستوجب باستمرار التذكير والتنشئة السليمة لما يتوازى ويتماشى مع مقتضيات هذه القدسية.

إنه لا يمكن رصد وحصر والحديث عن كل الجهود التي تمت وتتم في العهد السعودي، ولكن يمكن اختيار بعض الأمثلة من جهود مميزة تختلف عن كل الجهود التي اعتدنا نسمع عنها ونلمسها ونشاهد آثارها كل عام من تطوير للمسجد الحرام والمشاعر المقدسة والمسجد النبوي وما يرتبط بها من أماكن مقدسة، إلا إن هذه الجهود لا تأتي ثمارها إلا برفع مستوى الوعي والعلم والثقافة والسلوك التي يمارسها ويتفاعل بها الساكنون والقاطنون في هذه الأماكن المقدسة لما يقتضيه واجب الدين وبالتحديد الأدب والتحلي بسلوك ديني وحضاري في هذه الأماكن والمشاعر التي تحلى بها النموذج من السلف في العصر الذهبي للإسلام والتي زادت من انتشار الإسلام والاعتزاز بالقيم الإسلامية.

إن هذا المقال يركز على ما يسمى بمشروع تعظيم البلد الحرام والذي جاء إحدى ثمار جمعية مراكز الأحياء في منطقة مكة المكرمة وفي مدينة مكة المكرمة على وجه الخصوص والذي بدأها وتبناها وصاحب فكرتها في المدينة المنورة أولا ثم في مكة المكرمة ثانيا، صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز -يرحمه الله- ثم استمر بتشجيعها ودعمها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، فما هو هذا المشروع وما انجازاته ودلالته ومستقبله في تغيير وتعديل اتجاهات قيم وسلوك من يعيش في هذه المقدسات؟

مشروع تعظيم البلد الحرام

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها فإذا تركوها وضيعوها هلكوا).

التعظيم هو التبجيل والإجلال والاحترام والتفخيم.وتعظيم بيت الله الحرام سبباً لوجود حياة اجتماعية راقية في المجتمع المكي والتي تتمثل في: المحافظة على الأرواح والمحافظة على الأموال والممتلكات العامة والخاصة والمحافظة على الأعراض وصيانة حرمة البيت الحرام الذي لا يحل فيه سفك الدم وقطع الشجر ولا تنفير الصيد ولا اخذ اللقطة إلا لمعرف.

وكذلك الاهتمام والتقدير لما له علاقة بزيادة العناية بذوي الحاجات من المساكين والأيتام والأرامل رغبة في الأجر المضاعف في مكة المكرمة وزيادة في الأجر من الله سبحانه وتعالى، وكذلك زيادة العناية بالبلدة المباركة التي أمر الله بتطهيرها وعمارتها ولأجل هذه القداسة وهذا الإجلال الذي أمر بها الله فقد أصبح من المناسب زيادة الاهتمام والإعلاء لمكانة وقدسية البلد الحرام ليس فقط في شعور وأحاسيس الناس بل كذلك في سلوكياتهم وأفعالهم ونتج عن ذلك ما أصبح مشروعا كبيرا وعظيما وهو مشروع تعظيم البلد الحرام الذي نتج عن جمعية مراكز الحياء بمكة المكرمة. وبالله التوفيق.

E-MAIL:ZOZMSH@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد