Al Jazirah NewsPaper Thursday  17/12/2009 G Issue 13594
الخميس 30 ذو الحجة 1430   العدد  13594
رسالة أم عاطل
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

سيدي، تعبت وأنا أكتب رسالة تلو الأخرى لابني الذي أفنى عمره القصير في تهيئة نفسه لخدمة دينه ومليكه ووطنه، تعبت من كتاباتي له على ورق أبيض ناصع كقلبه الطاهر المحب لبلده وتراب وطنه، تعبت وأنا أقبّل جبينه مطالبةً إياه أن يصبر ويصابر لعل الفرج قريب، تعبت وأنا أناشد الكثير ممن أكرمهم الله من خيرات هذا البلد لتوظيف ابني، تعبت استجداء وترجي واستعطاف المسؤول وغير المسؤول ليجد لابني مكاناً بين موظفي الشركات التي يعملون لخدمتها على أرض وطني. تعبت من ذلك كله وقررت أن أكتب لك.

سيدي، تزوجت صغيرة من رجل طيب بسيط وعلى خلق، وسترنا الله عز وجل في بيت متواضع، وقسم لنا عيشاً بسيطاً وارتضيناه وحمدناه وشكرنا فضله، ورزقنا سبحانه وتعالى ابناً كنا وما زلنا ننظر للدنيا من عينيه، ونتذوق طعم السعادة في ابتسامته، ونداعب نسمات العليل في شعره، وكبر وحرصنا على تعليمه وواظبنا على توجيهه بما يضمن له خلقاً قويماً وتهذيباً عظيماً، فعلمناه واجباته الدينية والدنيوية حتى اشتد ساعده وأصبح شاباً يسر النظر إليه، فالتحق بالجامعة وتخرج فيها وزاد من خلالها على ما تعلمه في مراحله الأولى في البيت والمدرسة، وكنا أحرص ما نكون على تعليمه ما لم تعلمه إياه المدرسة أو الجامعة.

سيدي، تقدم ابني للحصول على عمل ليعيلني ووالده ونفسه، بحث عن عمل ليحقق ذاته ويمارس ما تعلمه خلال سنوات الضنك التي عاشها وعشناها معه، فقد مرَّ بنا سنوات من العوز والحاجة والفاقة ما لم يمر على غيرنا والحمد لله، آثرنا خلالها أن نوفر له ما يعينه على إكمال تعليمه ليخدم دينه ومليكه ووطنه، فحرمنا أنفسنا متاع الدنيا وحلاوة العيش وجمعنا ما كان يتيسر لشراء لوازم تعليمه حتى كبر، بحث عن عمل ليعوض والديه ما فاتهما من أبجديات الحياة، بحث عن عمل ليرى نتائج تضحيات والديه، بحث عن عمل لإيمانه بأن دوره في تكملة المسيرة قد بدأ وحان الوقت لمساعدة من ساعده في طفولته ودراسته وتعليمه. بحث عن عمل ولم يكن ينتقي حيث لا خيارات مطروحة ولا أبواب مفتوحة.

سيدي، كان قلبي ينفطر حينما أشاهده وهو عائد مساء كل يوم وبيده ملفه العلاقي الذي خرج به صباحاً وقد غابت ابتسامته وعلى وجهه ملامح الحزن والألم، وكنت أحثه دوماً على الصبر وعلى عدم الحزن، وأذكره بتقوى الله وأن ما من أمر إلا وله حل، كنت أهون عليه وأذكره بفرج قريب من عند الله، كنت أطالبه بأن يرفع رأسه عالياً شامخاً ولا يصغّر نفسه، كنت أدعوه لعدم التشاؤم وأن الوظيفة آتية لا محالة بإذن الله حتى تعبت يا سيدي، لقد تعبت ولم أعد أقوى على أكثر من ذلك.

لقد شكوت الحال للبارئ المصور الأحد الصمد أن يجعل لنا مخرجاً؛ فقد ضاقت علينا الدنيا بما رحبت، وأصبحت الحال لا تطاق. فها هو يدخل سنته الرابعة دون عمل ولله المشتكى. إلى لقاء قادم إن كتب الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد