أبدى زعماء العشائر العراقية المكونة لقوات (الصحوة) غضبهم من تخلي القوات الأمريكية عنهم رغم ما قاموا به من أعمال بطولية ملموسة ساهمت في دحر مجاميع (القاعدة) من مناطقهم وفرض الأمن والاستقرار.. خاصة في محافظة تشكل ثلث مساحة العراق (الأنبار)، والتي كانت إلى قريب مرتعاً خصباً للمجاميع الإرهابية، والانفلات الأمني الذي عجزت قوات التحالف والقوات العراقية عن السيطرة عليه ووضع حد لأنشطتها.
شيوخ الصحوة (طيبون) ويأخذون الأمور مثلهم مثل غيرهم من القبائل الأصيلة بكلمة شرف عوضاً عن الاتفاقيات المكتوبة.. ويبدو لي أنهم لم يدرسوا العقلية الأمريكية كما ينبغي. فأمريكا صديق غير آمن، ولا يمكن الركون إليه عند الشدائد.. والأمثلة كثيرة؛ لا بأس أن أذكر حادثتين وقعتا لأقرب أصدقائها:
الحادثة الأولى.. تخليها عن الشاة (محمد رضا بهلوي) أحد أصدقائها المعتبرين، والذي تخلت عنه في (ومضة عين)، وحين خرج من السلطة مريضاً حزيناً رفضت استقباله أو تهيئة ملجأ آمن يليق برجل خدم مصالحها ردحاً من الزمن.
والحادثة الثانية.. تتعلق بالرئيس (برويز مشرف) أحد حلفائها الرئيسيين في محاربة الإرهاب والذي لم تقدم له أي مساندة كانت قادرة على فعلها لتقوية موقفه السياسي.
والأمثلة كثيرة، لذا فإن تخلي القوات الأمريكية عن التزاماتها تجاه قوات الصحوة وضرورة استيعابهم في أجهزة الأمن والجيش.. ليس أمراً غريباً، بل مارست نفس أسلوبها المعتاد ممن يتعامل معها وحين ينتهي دوره في تحقيق الأهداف المرسومة حتى وإن كانت أعمال وطنية محضة كما هو الحال لدى قوات الصحوة العراقية.
السياسة الأمريكية تقوم على مفهوم (أنا وبعدي الطوفان) ولا مكان لديها للعواطف والنوايا الحسنة.. بل المصلحة أولاً.. وبقدر ما تكون مصلحتها الوقوف معك فلا ضير، وإذا انتفت الحاجة إليك تدعك تواجه مصيرك.. وتروح تبحث عن آخرين.
وللأمانة فأمريكا ليست دائما على خطأ.. بل يشاركها الخطأ وبالقدر نفسه من الفداحة من استفزها وهاجمها في عقر دارها.. وبسببه خرج المارد الأمريكي من (قمقمه) ليمارس دور الجندي (الانكشاري) لهذا العالم المحتقن بالمشاكل والأزمات.
تعجبني عبارة قرأتها للريس المكسيكي (تورمبرد) واصفاً حال الجار الأمريكي حين قال: (مسكينة هي المكسيك لبعدها عن الله ولقربها من الولايات المتحدة الأمريكية)!.
والعبارة رغم سخريتها ذات دلالة واضحة!.
إذن.. فعلى أخوتنا من أبناء العشائر العراقية أن يعرفوا أن القوى العظمى لا تتعامل كما قلنا بالعواطف، وكلمات الشرف.. بل بالمصالح والاتفاقيات المكتوبة، وبقدر ما تكون مصلحتها تحتم التخلي عنهم.. فإنها لن تجد أدنى حرج.. ولن تعدم الذرائع المناسبة التي تسوّق المبررات والتفسيرات.
أتذكر عبارة الرئيس (كلينتون).. حين سألوه عن سر فوزه في الانتخابات على بوش الأب رغم نجاحه في (عاصفة الصحراء).. أجاب السائل:
- إنه الاقتصاد.. يا غبي!!
ترى هل يمكنني أن أقول لمن يستغرب المواقف الأمريكية المتقلبة في تعاملها مع الآخرين - إنها أمريكا يا.. غبي؟!!
ALASSERY@HOTMAIL.COM