الجزيرة – عبد الرحمن السهلي
يعد السكن من الحاجات الأساسية للإنسان بل تعتبره تصنيفات الأمم المتحدة أحد المؤشرات الأساسية لقياس مستوى المعيشة، لذا فإن التحدي الذي يواجه صانع السياسة الإسكانية في أي دولة هو تلبية طلب أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية من الوحدات السكنية باعتبار ذلك إشباعا لحاجة إنسانية أساسية.
وترتكز معظم السياسات الإسكانية بالمملكة بشكل أساسي على الدعم الحكومي لقطاع الإسكان من خلال التأثير على العرض حيث تقوم الدولة ببناء المشاريع الإسكانية ومن ثم تمليكها للمواطنين كما تقوم الدولة بمنح قروض التمويل الميسرة وطويلة الأجل وتقوم أيضاً بمنح أراض سكنية بدون مقابل هذا بالإضافة إلى تكفلها بتجهيز البنية الأساسية والمرافق.
لقد أدى تسليط الضوء مؤخراً على مشكلة الفقر وعلاقتها بمشكلة الإسكان وعدم توفر مأوى مناسب لبعض فئات المجتمع (فضلاً عن تملك منزل) إلى طرح علامات استفهام كبيرة حول سياسات وبرامج الإسكان ومدى تحقيقها لأهدافها التنموية ومدى شمولها لشرائح المجتمع ومدى ملاءمتها للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
ولعل من أبرز هذه الصعوبات التي تواجه التمويل العقاري في المملكة غياب الإطار التشريعي والقانوني اللازم لتحديد وتنظيم العلاقة بين المموّل والمقترض، وخاصة التزامات المقترض في حال عدم القدرة على السداد. والإجراءات القانونية الحالية لا تسمح بتنفيذ الأحكام الصادرة بإخلاء المقترض المسكن. هذا بالإضافة إلى غياب قانون الرهن العقاري مما أدَّى إلى إضعاف مقدرة المموّل والبنوك على تأمين حقوقهم في حالة التعثر وعدم السداد. وعدم وجود نظام للتقييم العقاري للوحدات المطلوب تمويلها طبقاً لطرق تقييم قانونية موحدة، وتحديد القيمة السوقية لها.
ويعد التثمين والتقييم العقاري أهم الأساسيات لنظام الرهن العقاري الذي يعتبر الأداة التي تعتمد عليها المؤسسات الاقتصادية والتمويلية في معظم دول العالم لمعرفة القيمة الفعلية لكثير من المنتجات العقارية، وهي عادة تكون تحت إشراف جهة رقابية حكومية أو إحدى مؤسسات المجتمع المدني أو القطاع الخاص, ويكون لها أساسياتها وقوانينها ومقاييسها التي تكون مرتبطة بكود البناء ومواصفات وأنظمة المباني وأساليب التمويل.
نظام كود البناء والتقنية العقاري
الخبير بالشؤون العقارية والعمرانية د.عبد الله الفايز طالب بتوقف الممارسات الخاطئة التي تدور حالياً في السوق العقاري تحت مسمى التثمين والتقييم كما طالب بمعاقبة كل من يدعي أنه مقيم أو مثمن عقاري دون تأهيل ودراية تامة أو إلمام لأنه يقترف إثما كبيرا وخطأ جسيما يكون فيه ظلم للآخرين.
وأوضح د.الفايز أن المقيم والمثمن العقاري في الدول المتقدمة يكون لديه معرفة بطريقة قراءة المخططات المعمارية، ودراية بأنواع مواد البناء بالإضافة إلى معرفة قيم الأراضي وخواصها وأبعادها وموقعها الجغرافي بالإضافة إلى الاشتراطات النظامية والقانونية.
وبين د. الفايز أن تفعيل نظام كود البناء سيكون له دور كبير في نظام التقييم العقاري، وسيساعد كثيراً على توحيد المعلومات ويخفف من أعباء العمل على المثمنين، فكلما كانت المواصفات متساوية أو متقاربة كان الجهد الذي يبذله المثمن أقل تكلفة.
من جهته توقع د.بدر بن سعيدان عضو اللجنة العقارية بالغرفة التجارية أن تزدهر مهنة التثمين العقاري مع إقرار نظام الرهن مبيناً أن مهنة التثمين والتقييم العقارية في المملكة لا تزال تتم بطريقة بدائية معتمدة على ثلاثة عروض تقييمية من ثلاثة أسماء لها سمعتها بالسوق العقاري تعطي السعر العادل للعقار، وأضاف آل سعيدان أن منظومة الرهن العقاري مكونة من ثلاثة أطراف رئيسية هي المطور العقاري والممول والمشتري (المستفيد النهائي) وأي إخلال لدى أحد أطراف هذه المنظومة سيؤثر على سير عملية الرهن العقاري، وأوضح آل سعيدان أن إقرار نظام الرهن العقاري سيساهم بلا شك في رفع نسبة تملك المواطنين للمساكن عبر تحول عقود الإيجار إلى عقود تمليك مرهونة.
برامج تمويل الإسكان بالسوق السعودي
وتنحصر برامج تمويل الإسكان بالمملكة في خمسة برامج هي:
- تمويل صندوق التنمية العقارية: ويُعدّ من أهم روافد تمويل الإسكان في المملكة بشكل عام، حيث أظهرت نتائج دراسة السكان لعام 1425هـ أن أكثر من (41%) من المساكن في الرياض تم تمويلها من صندوق التنمية العقارية.
وقد تم إنشاء الصندوق في 11 - 6 - 1394هـ برأسمال مقداره (250 مليون ريال)، وقد ارتفعت هذه القيمة لتصل (2.2 مليار ريال) عام 2002م، بهدف توفير المساكن الحديثة للمواطنين؛ خاصة أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة. وقد لعب الصندوق دوراً مهماً ورئيسياً في التنمية الإسكانية، واتسعت دائرة نشاط الصندوق التمويلية لتشمل أكثر من (3362) مدينة وقرية وهجرة داخل المملكة، وعلى الرغم من التجربة الرائدة بالصندوق في تمويل بناء مساكن للمواطنين السعوديين خلال السنوات الماضية إلا أن الفجوة بين الطلب على خدمات الصندوق وإمكاناته الإقراضية تزداد مع مرور الوقت، وتقدر بعض الدراسات نصيب الصندوق في تمويل بناء المساكن في المملكة بحوالي (13%) حالياً، وهو مرشح إلى الهبوط ما دون (10%) خلال السنوات القادمة.
- تمويل البنوك التجارية للمساكن: ازداد اهتمام البنوك السعودية مؤخراً بتقديم برامج التمويل العقاري؛ من حيث زيادة حجم التسهيلات الممنوحة، والتيسير في شروط منح التمويل.
وقد تطور حجم التمويل العقاري ليصل إلى (8.79 مليارات ريال) في 2006م على أساس الإيجار مع الوعد بالتمليك، حيث يبرم البنك مع العميل عقد إيجار يمتد إلى عدة سنوات بأجرة محددة تدفع على أقساط إيجارية شهرية، ويَعِدُ البنكُ العميلَ بنقل ملكية العقار إليه على سبيل الهبة إذا تمّ دفع جميع الأقساط الإيجارية بانتظام في مواعيدها المحددة. ويبلغ الحد الأعلى لمبلغ التمويل (2 مليون ريال) والحد الأدنى (200 ألف ريال). ويكون التسديد على دفعات إيجارية شهرية تصل حتى (20 سنة)، ويتيح البرنامج للعميل حرية اختيار المسكن. ويتم في حالة الوفاة - لا قدّر الله - الإعفاء من كافة الأقساط المتبقية.
- برنامج المؤسسة العامة للتقاعد لتمويل المساكن (مساكن): بدأت المؤسسة العامة للتقاعد منذ عامين فقط بطرح برنامج تمويل شراء المساكن وتقسيطها للمتقاعدين وموظفي الدولة المدنيين والعسكريين، على فترات ميسرة تصل إلى (25 سنة). ويصل القرض إلى مليون ريال كحد أقصى.
- مساهمات الشركات الحكومية، شركتا (أرامكو) و(سابك): تسهم كلتا الشركتين في التمويل العقاري بشكل تعاوني عن طريق إقراض موظفيهما قروض الإسكان طويلة الأجل، ويمثل قيمة القرض من (85%) إلى (95%) من القيمة الإجمالية للعقار (المسكن)، ويسدد قيمة القرض بدون فوائد، وهذا النظام معمول به في جميع دول العالم باسم (الإسكان التعاوني)؛ حيث يتم تكوين صندوق تمويل الإسكان التعاوني للمشتركين في النقابات المهنية يستفيد منها المنتسبون فيها وأسرهم.
- التمويل الخيري: يسهم التمويل الخيري في تغطية حجم كبير من الطلب على المساكن ولكن لفئة محدودي الدخل والفقراء. والمؤسسات الخيرية المتخصصة في توفير الإسكان الخيري لا تهدف إلى الربح، والمصدر الرئيسي لتمويلها هو التبرعات والهبات، والوقف الخيري.