على الرغم من أن الرائي لمجتمعنا يلحظ أنه يغلب عليه طابع الخير والود والتعاطف سواء بين أفراده أو بين مجموعاته، إلا أن نسبة كبيرة من أبنائه، رجالا ونساء على حد سواء، يحاولون مداراة هذه العواطف عن بعضهم البعض، وكأنهم يرونها عيبا أو ضعفا يتوجب منهم المداراة والإخفاء.
مع أن تلك المكاشفة - في كثير من الأحوال - تعد واجبا ضروريا، بل على قدر جليل من الأهمية، ولاسيما إذا كانت لمستحقيها، وفي مقدمة تلك العواطف المستحقة للجهر: الحب الزوجي، الذي قد يمضي
به قطار العمر وهو يتوارى حياء وترددا، مع أنها العاطفة المحصِّنة للزوجة والزوج معا، فكم من كلمة رقيقة صادقة أبقت مواثيق العهد والوفاء محفوظة رغم الانشغال أو التباعد أحيانا ولو بالممات.
قد يقول البعض من الرجال والنساء على حد سواء: إننا حينما نجرب أن نفعّل هذه العاطفة مع شركائنا وشريكاتنا فإنهم حينئذ يسيرون في طريق الاستغلال النفسي والإلقاء بالثقل المعنوي والمادي علينا، وكأن حالهم يقول هل من مزيد؟ فكأننا بذلك نتناسى أنفسنا واحتياجاتنا من أجل أن نرضي الطرف الآخر على حساب الذات.
بيد أن الحل يكمن في المكاشفة بين الزوجين، وفتح صندوق العواطف المبهمة، عن طريق العتب اللطيف وكشف مكنونات الأنفس، وإظهار ما يلبس على الطرف الآخر، وفي ذات الوقت فتح مجال الاستماع الحقيقي وحُسن الإنصات له، فربما كان الكلام وحده لا يقنعه وأنه يريد البرهنة الفعلية، شريطة أن تكون طلباته واقعية لا أسطورية تغلفها الأنانية المفرطة.
وما ينطبق على الزوجين اللذين لهما الأولوية في درجات السلم العاطفي ينطبق أيضا على باقي العواطف الإنسانية في مجتمعنا الذي يسود بعض فئاته الجفاف العاطفي بشكل لافت دون أن نعي، فالعاطفة تجاه الوالدين من أسمى المشاعر، ويقابلها العاطفة الأبوية تجاه الأبناء والبنات، وهما قاعدة كل العواطف البشرية، وعلى أساسها تنشأ المجتمعات المتعافية نفسيا وبالتالي جسديا.
وهكذا جميع العلاقات الإنسانية والاجتماعية فإنها تحتاج إلى (التوثيق النفسي)؛ كي تحوطها الطمأنينة، وتتحقق لها الاستمرارية، وتستطيع مواجهة عثرات الحياة ومصاعبها، وليس هذا بعسير أو معيب طالما أنه في طريق سليم سوي، لاسيما وقد أرشدنا رسول الهداية في هذا المجال الحيوي بقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره أنه يحبه)، فهل بعد هذا القول من قول إذا حسنت النوايا وصدقت الأحاسيس، حيث تكون النتيجة صفاء النفوس وسلام المجتمع.