كشفت أمطار جدة عن غياب الدور الرقابي على أعمال مشاريع جدة ومنذ زمن ليس بالقصير!! وكلنا يعلم أهمية هذا الدور في جميع القطاعات الحكومية وعلى وجه الخصوص الخدمية منها، والأمانات والبلديات على وجه أخص، وهذا الأمر ليس سراً ولا هو غائب عن أصحاب القرار والهيئات الاستشارية والتشريعية، ولعل من أقوى الأسباب القابعة خلف ميلاد المجالس البلدية في المملكة العربية السعودية القناعة لدى سمو وزير الشؤون البلدية والقروية بأهمية الحصول على تغذية راجعة من خلال هذه الكيانات المتخصصة والمربوطة بسموه مباشرة. والمجالس البلدية مهما قيل عنها فهي في فكرتها الأساس متميّزة وفيما مضى من عمرها القصير تجربة رائدة ورائعة وتحتاج إلى تعزيز ومؤازرة ودعم، بل ونقد بنّاء ومدلل يؤهلها للوصول إلى النضج واكتمال التصور الذي يرقى بها لأن تكون كما يُؤمل فيها المجتمع. والقارئ في النظام الداخلي لهذه المجالس الصادر من مقام وزارة الشؤون البلدية والقروية يلحظ التركيز بشكل كبير على هذا الدور - محل الحديث - ومع ذلك فهو عملياً ما زال ضعيفاً ولا يرقى لتطلعات المجتمعات المحلية التي انتخبت النصف من الأعضاء. وبعيداً عن التشخيص لواقع هذه المجالس خلال السنوات الأربع الماضية، ودون الخوض في الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف الملحوظ، أعتقد أن من الأهمية بمكان في السنتين القادمتين أن تركز هذه المجالس على الرقابة وتشارك في تحمل المسؤولية بشكل مباشر وفعَّال، وأن تكون عوناً لمنسوبي هذه الأمانات والبلديات من أجل القيام بالأمانة الملقاة على عواتقهم على أحسن وجه. فالإشكالية التي يُتحدث عنها في جدة جراء السيول هي بذاتها قد تقع لا سمح الله في كثير من مدن المملكة.
قد تكون هذه الإشكالية أثيرت من قبل داخل أروقة عدد من المجالس سواء في المنطقة الغربية أو الشمالية أو الوسطى، كما كتبت عنها الصحف وتناولتها الأقلام، ولكن جزماً الحديث عنها اليوم سيكون مختلفاً تماماً، والقرارات التي يطالب باتخاذها سيكون وقعها أبلغ خاصة إذا بُنيت هذه المطالب على دراسات ميدانية جديدة وتقارير علمية مدروسة وصور جوية موثّقة، مع العلم أن فسوحات البناء في الأودية والشعاب ومجامع السيول ليست هي الإشكالية الوحيدة التي يجب فتح ملفها من قبل المجالس البلدية على وجه الخصوص، بل هناك العديد من الملفات التي من الضروري تقليب أوراقها واتخاذ القرار المنجي فيها حتى لا تتجدد المأساة أو تقع الكارثة لا سمح الله.. إن الأمر الملكي الكريم - الذي وصف من قبل الكثير بأنه إعلان ميلاد رائع لعصر المساءلة والمحاسبة والتغذية الراجعة - هذا الأمر يضع تبعات أكثر ويلقي بمسؤوليات أعظم على هذه المجالس التي يعوّل عليها المجتمع القيام بالرقابة نيابة عنه (الرقابة المجتمعية). نعم الطريق شاق وطويل، وليس مع أعضاء المجالس عصا موسى أو خاتم سليمان، ولكن من المؤكد أنه لا بد من التغيير المدروس والمقنن، تغير في المفاهيم أولاً والتصورات ثانياً وآليات العمل ثالثاً ومنهجية القيام بالدور الرقابي رابعاً، وكيفية التعاون مع العاملين في الأمانات والبلديات لتحقيق مصلحة المواطنين خامساً، لكن المهم قبل هذا وذاك أن تكون النيّات صادقة والقلوب صافية ومحبة والهدف تحقيق المصلحة المجتمعية لا الشخصية والطموح الوصول للحقيقة وحل الإشكاليات لا التشفي وإظهار التجاوزات، والمؤمل أن يعمل الجميع من أجل سلامة المواطن والرقي بالوطن بعيداً عن الضجيج وبلا إثارة وتخوين أو تهويل وتخويف ومن ثم تجييش للجماهير ضد هذا الإنسان أو ذاك أو هذه المؤسسة أو تلك، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى اللقاء والسلام.