بدأت بعض الآراء في صحفنا المحلية تتحدث عن ضرورة توفر آلية لرقابة تنفيذ المشاريع بعد فجيعة جدة بشكل لافت، وإن كانت مثل هذه الآراء قد ظهرت منذ زمن طويل تحذر وتقترح ما بات اليوم حاجة وضرورة، وتكاد تجمع هذه الآراء على مقترح واحد هو توفير هيئة للرقابة على الأشغال العامة..
كما تحدث عن ذلك الأستاذ عثمان بن عبدالعزيز الربيعة في جريدة الجزيرة (العدد 13582 بتاريخ 18-10-1430هـ) في مقال رائع تحت عنوان ( هيئة الرقابة على الأشغال العامة) والواقع انه كان هناك وزارة للأشغال العامة وتم دمجها بوزارة البلديات والشئون القروية، وإن كانت وزارة للأشغال وليس لرقابة الأشغال، وأود التوقف عند هاتين المفردتين ( الرقابة والأشغال).
أولا- الرقابة:
أعتقد أن الرقابة تعتمد في أهم أسسها وقواعدها على مدى قيمة الاستنفاع المرتقب من وراء هذه الرقابة، وكلما كان هذا الاستنفاع خاصا ومتماسا مع نفع هذا المراقب المستفيدكانت الرقابة أصدق وأخلص وأقوى، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شرح الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه... فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ولعله يجوز لي ومن خلال هذا الحديث أن أقول: إن حسن العمل يتطلب رقابة العامل لنفسه أولا, ولكن إن تعذر ذلك فإن عيون المسلمين ناظرة ومراقبة، فإن قيل ولذلك نرى ضرورة إنشاء هيئة رقابة أقول ومن يراقب هذه الهيئة إذن؟
جاء في الذكر الحكيم في الآية الأولى من سورة النساء ( إن الله كان عليكم رقيبا) ومن آمن وعلم يقينا أن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه ومطلع على أعماله خاف من الوقوع في الخطأ، ومن خلال هذا المعنى أقول: إن من علم يقينا إن الناس رقيبة عليه ومطلعة على عمله خافها وخاف محاسبتها، وإذا كان من التنظير, القول أو الاعتداد برقابة الناس بشكل مفتوح دون تحديد، فإنه أيضا يجوز القول: إن التحديد يحد ويضيق من سعة الرقابة وجدواها، وبين هذه وتلك فإن في الدول المتقدمة في تنظيم أعمالها الإدارية والمالية درجات متسلسلة من الرقابة والمحاسبة، تبدأ من المراقب العام ( المفتش العام) مرورا بمساحة كافية من الحرية الإعلامية وانتهاء بالمواطن الفرد ورأيه، وفي ظني أن مثل هذا يحتاج إلى أكبر من إنشاء هيئة رقابة.
ثانيا- التشغيل:
إن التشغيل يعني فيما يعني نتاج عمل الجهة التنفيذية ومهمتها الأساسية، وبالتالي فلا يمكن دمج أو جمع التنفيذ والتشريع والرقابة، إلا في هرمها الأعلى، وبحيث يشكل الانفصال بين المهام الثلاث سلطات مستقلة الواحدة عن الأخرى، وهو أو جزء كبير منه متوفر لدينا بفضل الله، ولكن ولضمان تحقيق أكبر قدر من الاستقلال، فلابد من تحقيق تساو في قوة ونفوذ هذه السلطات بشكل متجانس ومتماثل، لكي يصبح التفاعل ناشطا وواضحا أكثر, ومن خلاله تكون النتائج تنافسية لتحقيق المصلحة العامة.
إن كل ذلك لاشك واضح لدى حكومة خادم الحرمين الشريفين، ونلمس وجوده وأثره بشكل يطمئن النفوس في البيان الملكي التاريخي، ولكن وربما لهول فاجعة عروس البحر في عيدها تفاعلت الآراء وتسابقت لتعبر بكل إخلاص عن صادق الحس الوطني الذي أثارته أنّات ذوي شهداء الغرق، بيد أن سبل البناء والإصلاح تحتاج إلى مداها الطبيعي وليس الانفعال العاطفي.
Hassan-alyemni@hotmail.com