ملامحُ اللَّيلِ تَتلو سُورَةَ النَّصَبِ |
وشَهقَةُ النَّارِ تتلُو آيةَ العتبِ |
أشكو إلى اللهِ من ليلٍ يُطوِقُني |
كَأَنًهُ الفيلقُ المملوءُ بالغَضَبِ |
وحدِي وصمتُ الرُّبَى في كُلِّ جَارِحَةٍ |
وزَفرةُ الرِّيحِ تَسرِي فِي دَمِ الكُثُبِ |
كَبَيتِ طينٍ تَهَاوَى تَحتَ سَارِيَةٍ |
يُصغِي إلى هَدمِهِ الآتي مِنَ السُّحُبِ |
للرِّيحِ عَصفٌ وللإرْعَادِ عَاصِفَةٌ |
أينَ النَّجَاةُ؟ فلا يَقوَى على الهَرَبِ |
صمتي يَراعٌ وصَمتُ اللَّيلِ مِحبَرَة |
يُعَنوِنُ الوَجدَ فِي وِجدَانِ مُغتَرِبِ |
مَا آبَ من غُربَةٍ إلا تُطَوِّحُهُ |
أُخرَى إلى لُجَّةِ التَّغرِيبِ وَالكُرَبِ |
غَنَّاكِ صَمتِي وشوقُ الذِّكرَياتِ لظًى |
تَدَثَّرَتْ مِن رَمَادِ الأمْسِ بِاللَّقَبِ |
أجَلُّ من انتظاري موتُ عَاطِفَتي |
وقبرُها ها هنا يمتدُّ في خِلَبي |
إذَا سَجَا اللَّيلُ هَاجَتني مُؤوِّبةٌ |
وأورَقَ الحُزنُ دَمعًا غَيرَ مُنسَكِبِ |
مَاذَا جَرَى؟ واسْتَفَاقَ الجُرحُ في كَبِدِي |
فَبِتُّ أطفُو عَلى صَمتٍ مِنَ الصَّخَبِ |
ألمْ تكوني ظلالاً أستجيرُ بها |
إذا تدثرتِ البيداءُ باللًهَبِ |
وكنتِ شمساً على أهدابِ رَوعَتها |
بلابِلُ الفَجرِ تَشْدُو في سَمَا الأدبِ |
كتبتُ عَينَيكِ حَتَّى لَم أجِد لُغَةً |
إلاَّ وسَطَّرتُهَا كُحلاً على الهُدُبِ |
بِنَبضِ قَلبي كَتبتُ الشِّعرَ, لا قَلَمِي |
في صَفحَةِ الوجدِ لا في صَفحَةِ الكُتُبِ |
دَمي مدادٌ على الأوراق أُهْرِقُهُ |
شِعْراً تَدفَقَ من آهاتِ مُضْطَربِ |
أصوُغُ من رِقَّةِ الأسحَارِ أغنِيَةً |
تَشُفُّ ألحَانها مِن رَعشَةِ الشُّهُبِ |
والنبضُ يبكي على أغصانِ أوردتي |
من لوعةِ الحُزنِ لا مِنْ روعَةِ الطَرَبِ |
وهَبتُكِ القلبَ أنثَى لا شرِيكَ لَها |
يُسَاقِطُ الحُبَّ في كَفَّيكِ كالرُّطَبِ |
كُلِّي حَنينٌ وخَفقُ الرُّوحِ أجنِحَةٌ |
تَهُزُّ سَفحَ النّوَى شَوقًا لِتَقتَرِبِي |
حَمَلتُ جُرحِي على أقتَابِ قَافِيَتِي |
ومَشهدُ الموتِ في عينيَّ لَم يَغِبِ |
وسرتُ والحُزنُ درب لا انتهاءَ له |
من كلِ صوبٍ رياحُ الحزنُ تعصِفُ بي |
حيُ المواجِع والآمالُ ميَتةٌ |
يا غارة الله كم لاقيتُ من تعبِ |
مَا كَانَ ذَنب الَّذِي وَلاَّكِ خَافِقَهُ |
تَبَّتْ يَدَاكِ أيَا حَمَّالَةَ الحَطَبِ |
ما أتعسَ القلبَ حَظًّاً حينَ تَذبَحُهُ |
ُكَفُّ الجَرِيمَةِ عُدوَانًا بِلا سَبَبِ |
ليتَ الذِّي جَامَ للعُشَّاقِ جَامَ لَنَا |
كأسًا من الصِّدقِ لا كأسًا من الكَذِبِ |
هل كنتِ وهمًا عَلى أوراقِ ذَاكِرتي |
مَن يَزرَعِ الوَهمَ يَجني عَوسَجَ الرِّيَبِ |
سَرَى هُنا في دِمَائي نَبض أحجِيَةٍ |
سَرِيرة شَمَّ فَاهَا كاشفُ الحُجُبِ |
نَكَّرتُ عرشَ الهَوى للريحِ فانكَشَفَت |
سَاقُ الحَقيقَةِ في صُبحٍ من العَجَبِ |
بُوئي بذنبك علََّ الله يغْفِرهُ |
وفَلسِفِي الدَّمعَ في عَينَيكِ وانتَحِبِي |
وفَتِّشِي في خَبَايا اللَّيلِ عَن وَطَنٍ |
وسافري في سماءِ الذنبِ واغْتَربي |
وغادِرِي من شَرايينِي وأورِدَتي |
ولمَلِمي مَا تَبَقَّى منكِ وانسَحِبي |
(وسَلِّمي لي عَلى جُغرَافِيَا وَطَني) |
وسَلِّمِي لي عَلى تَاريخِهِ الذَّهَبي |
وسَلِّمِي لي عَلى أنقَاضِ مملَكَةٍ |
كَانت لنَا مَوطِنًا في سَالِفِ الحِقَبِ |
أمستْ كَملحُوبِ قفرا لا أناسُ بهِ |
لم يبقْ منها سِوى الَأطلالِ والنُوَبِ |
هيَ الحَقيقةُ مِثل الشَّمسِ سَاطِعَة |
من لمْ يصُنْ مْلكَه يَضحي من السلب |
محمد الشدوي |
|