قال ابن السراج (الأصول في النحو 1: 246): (واعلم: أنَّ الأشياءَ التي يسميها البصريونَ ظروفًا يسميها الكسائي صفة، والفراء يسميه محال، ويخلطون الأسماء بالحروف فيقولون: حروف الخفض: أمام وقدام وخلف وقبل وبعد وتلقاء وتجاه وحذاء وإزاء ووراء، ممدودات، ومع وعن وفي وعلى ومن وإلى وبين ودون وعند وتحت وفوق وقباله وحيال وقبل وشطر وقرب ووسَطَ ووسْطَ ومِثل ومَثَلَ وسوى وسواء، ممدودة، ومتى في معنى وَسْطَ والباء الزائدة والكاف الزائدة وحول وحوالي وأجْلٌ وإجلٌ وإجلى، مقصورٌ، وجَلَل وجِلالٌ في معناها وحذا، ممدود ومقصور، وبَدْل وَبَدلٌ ورئِد، وهو القرنُ، ومكانُ وقُرابُ وَلدة وشبهَ وخدن وقرن وقرْن وميتاء وميداء، والمعنى واحد ممدود، ومنا، مقصورٌ بمنزلة حذاء، ولدى فيخلطون الحروف بالأسماء والشاذ بالشائع).
ولم أصادف في قراءاتي أو تصفحي من نسب ذلك إلى الكوفيين، ولكن الجدير بالاهتمام أنّ التفريق بين المبهم من الظروف وغير المبهم هو أدنى إلى الصواب في نظري، وإنيّ لأعجب من جعلهم (مع) ظرفًا وعدها حينًا حرفًا إن سكنت العين منها، وهي من حيث الإبهام والعمل لا تختلف عن حروف الجر؛ فليس لها معنى دون مدخولها، وكذلك (فوق)؛ فلست تجده مختلفًا من حيث وظيفته في الجملة عن (على). ولعل النحويين القدماء حصروا الحرف في كلمات لازمت الحرفية مع أنهم أثبتوا ما يكون حرفًا ويكون فعلاً مثل (عدا - خلا) في الاستثناء؛ فهما إن جرّا حرفا جرّ وإن نصبا فعلان، وهذا متوقف فيه عندي؛ فهما حرفان نصباً أو جرّاً. ولعل النحويين انطلقوا من تصنيف صرفي للكلم، وهو أمر غير موفق كل التوفيق؛ فالألفاظ قد تتعدد وظائفها في التركيب، وما كان من الأسماء مبهماً يحتاج إلى غيره فهو في وظيفته تلك قد ترك الاسمية إلى الحرفية؛ فحين نقول: (وقف الرجل خلف الجدار)؛ فلسنا نقصد (وقف في خلف الجدار)، وأنت تسأل عن الكتاب فتقول: أين الكتاب؟ فيقال: في الحقيبة أو تحت المكتب، أو فوق الرف، وهكذا تتناظر. وأما الظروف فهي أسماء الزمان والمكان، كقولك: (سافرت يومَ الجمعة)، أو (سافرت يومًا)، فهذا متضمن للحرف (في) مفهوم من المعنى، صحيح التصريح به؛ إذ تقول: سافرت في يوم الجمعة، أو سافرت في يوم. وكنت في درسي للفعل في القرآن الكريم قد عددت هذه المبهمات حروف جرّ. والذي أنتهي إليه أنّ هذه المبهمات متى جرت ما بعدها فهي حروف جرّ، وإن استقلت كأن تعرف بأل في قولك: (قف في الخلْف) و(انظر إلى الأمام) فهي أسماء.