للفاسدين نشوة خيال لا تمت للواقع بصلة، يحلمون بأجنحة يطيرون بها عالياً فوق الغيوم والسحب، مساءاتهم مغبرة، ووجوهم مشبعة بالدبق وبالرطوبة، حياتهم غامضة ومضببة وحفريات في الاتجاهات العكسية، هم فئات يفهمون بعضهم بعضاً عبر خطابهم في الفساد، لهم كم هائل من المتاهات والغموض والرطانة، التي تأنف اللغة الجميلة أن تتبعثر لهم، لا يحبون اصطياد الفراشات ولا مطاردة الخيول ولا رائحة النرجس، ليس لهم سرور ولا تواصل ولا علم ولا بعض حياء ولا كيف يكتبون أسماءهم في صفحات المجد والحضور والعطاء، فاسدون يرتكبون حماقات جارحة، ليس لهم خوف ولا وجل ولهم غوايات حادة، لا يحبون لون العشب ولا رائحة الندى ولا روعة النجمة المعلقة في السماء، يهوون تكسير سنابل القيم فوق أديم الأرض، لهم ضياع يومي، ويعاقرون الفساد، لهم خيبة وزحام وليس لهم يقظة ولا صحو، منغمسون برائحة الوحل والطين، ولهم مزامير تصدح باللعنة وبالخراب، زجاج نوافذهم مكسور ومهشّم، لليل عندهم انسياب في الزوايا والأركان، الفاسدون قوى شريرة ما تنفك تستهدف البلاد والعباد، لهم انتكاسات وأفعال خطيرة على أنفسهم وعلى الناس والمجتمع، يثيرون فينا التساؤل حين ننظر إليهم ونتفحصهم، لهم قوة وملامح وتحدٍ ومكيدة وبؤس وعلامات جريمة، الكائن الكامن فيهم غير حي وغير متحرك وغير واعٍ، هذا الكائن تحول عندهم إلى روح مطفأة بين التل وبين الضفتين، غموض الوقت وضجر المكان أمسيا من أصحابهم بانصهار تام، متحدون بفساد ممزوج بابتهاج، لا الأمنيات عندهم لها طعم النجاح، وليس في يديهم حزمة ضوء ولا حزمة انبعاث ولا حزمة إنجاز رقمي، لهم خواء نفس، وليس لهم شعاع مجرات، لهم حمى نِعاق علاماتها الفساد والتبلد واللاوعي وتناثر الأمنيات، الطمع الذي يعيشونه ملأ جيوبهم ترفاً، والليالي التي قطعوها بالتدبر في كيفية السلب تعثرت بخطاهم، وتدثروا بمعاطف الجلافة والحماقة والجنون، يمرون على الخطيئة بلهفة وبجشع، الجفاف يلف أرضهم، والضياع يدميهم بالعار وبالوجع وبالنبذ، ليس لهم مواسم حصاد، ولهم زوابع حالكة بين الغط والمنافي والهموم المبعثرة التي تميز وجوههم الشاحبة التي كأنها غادرتها الحياة وانسرق ضوء العطاء والخلود منها، ستائر الوهم غطت عقولهم حتى أصبحوا يتشظون على أنفسهم ويتمسحون بأعتاب الليل المنهمك بأغانيهم الثقيلة، الفاسدون يتسربون من منافذ الحياة النقية إلى جحور الجريمة والسرقة والسطو والوجع الأبدي والوهم القادم عبر مداراتهم وتضاريسهم العارية، ساخطون على أنفسهم وعلى المجتمع معلنين المكيدة والعصيان بلا مطر ولا شمس ولا بريق فرح، لهم طوابير ومواسم ليست للحصاد ولا الضياء، لكنها مواسم ثرثرة جاثمة على صدورهم بالكلام الثقيل، ليغدون آخر المطاف أرقاماً تصب في خانة البهتان والاتجاهات المعاكسة، تاركين خلفهم بوصلة الحياة التي لا تعرف معنى الاتجاهات الصحيحة نحو الامتدادت الأفقية، الفاسدون لهم عقول لكنهم يخونون أنفسهم لأنهم يفضلون العطش والجنون، إن متابعة دقيقة لهؤلاء الفاسدين تظهر عدة عوامل خطيرة أصابتهم وأوقعتهم بالتخلف والنكوص الذي اعتراهم والتراجع الحاد الذي ألمّ بهم لأن عدمية الأخلاق عندهم تجارة غير رابحة وجذوة غير مشتعلة بالعطاء والإنارة حتى أصبحوا جرحاً نازفاً تنساب قطراته ألماً وحزناً وإيغالاً في عالم الظلام المخيف، إن الحليب المخلوط بالكلور يصبح ذا معادلة غير صحية مؤداها أن الفاسدين سيصبحون آجلاً بين موتات كثيرة ملونة سوداء وحمراء وغبراء إذ لم ينتهوا، إنهم يمشون بين حرائق النيران وخيوط لهيبها المشتعل، إنهم زهرات صبّار لا زهرات ياسمين، لأنهم غير قادرين على تعبيد طرقهم المتكسرة، وغير قادرين على النهوض والتحرك والبريق الجميل.
ramadan.alanazi@aliaf.com