مليارات تصب في خزائن الجامعات من أجل تأسيس البنية التحتية من المباني، والسكن لأعضاء هيئة التدريس، والمدن الطبية، والكليات المختلفة، ويتم العمل المكوكي بين الجامعات وشركات التنفيذ والمقاولين، في الوقت الذي أصبح عضو هيئة التدريس في مساومة إغراءات بدلات الندرة، والموقع الإلكتروني الخاص، واستخدام الحاسب في التدريس، ومحاصرته بالرقابة الورقية، إذ عليه تقديم كشوف بكل حركة يتخذها بدءاً بمراجعه، وانتهاء بأسئلته التقويمية.., وفي هذا الخضم لا يزال هناك ما يحوك في نفوس الكثير من الدارسات، وربما نظرائهن من المستجدين من الدارسين والدارسات في الجامعات, من أمر مثالية التدريس ومخرجاتها، فماذا فعلت لها الجامعات؟ كيف يقاس أداء عضو هيئة التدريس بعيدا عن روتين الورق, وبنود إجاباتهم التي تأتي مغلفة بالخوف الأزلي من سطوة عضو هيئة التدريس, تلك التي غدت شكليا مغلفة بالتقنين، والمتابعة والرقابة، بينما هي في الواقع مطلقة داخل قاعات التدريس، إذ لا تزال البنية بين علاقة عضو هيئة التدريس, وما يقدمه من الخبرات والمعارف، وبينه وهذه الخبرات والدارسين، يفصل نسيجها شق، وجهه الأول حرية التدريس، والآخر قيد الدارسين، إذ من يدري كيف يدرِّس الأستاذ داخل القاعة؟ وما جدوى الخبرات التي يقدمها حين يفرض بعضهم على الدارسين على سبيل التمثيل كتابا مقررا ويقسمه بينهم ليتولى كل طالب قراءة الجزء الذي قرأه على زملائه والأستاذ مهيمن صامت يجلس في دعة ولا يقول إلا قليلا؟ بينما أوراقه التي يقدمها عن مفردات المنهج تقول عناوين كبيرة ومهمة..، وتعكس دورا فاعلا عند التنفيذ، ليست كالذي يدور في القاعات الدراسية..؟
والأمثلة كثيرة في أداءات مختلفة ليست تقف عند التدريس وحده، فلئن كانت المليارات تضخ لنهضة الأبنية من المنشآت, فإن مسائل كثيرة يحتاج إليها المنفذون للتعليم الجامعي تعين كفاءاتهم على نهضة مصادرها بتأسيس أبنية الجوف ضميرا، وإحساساً بالمسؤولية، وتفهما للإتقان، وإيقاظا لقيم العلم والتعليم.. هذا يتعلق بعموم الصورة، وتخصيص الحالة.. لا باستثناءات التميز، ومثالية المجتهد. وفي الجامعات عناصر متفوقة لا يمسها هبوب..
وإنما لوجود عينات متناثرة الأجدر بالجامعات التخلص منها أو تقويمها، فإنه لا تكفي الجامعات نهضة عمارها من الطوب والإسمنت والحديد والخشب، والوسيلة مختلفة المهام، بل تحتاج إلى نهضة مستويات عناصرها البشرية من أولئك، علما وقيماً وأداءً ومهارة، وصدقاً وإخلاصاً، ومعارف لا تنضب روافدها ولا تشح جداولها، إذ لا تكفي مزايا عناصر التنفيذ للتعليم الجامعي، الأوراق ذات الدرجات المسجلة في سطور بل إن الاعتماد الرئيس كله, على ما تحتويه خزائن العقول والصدور من العلم والإيمان والتقوى والبذل والوعي والتوجه والمهارات.., ذلك مكمن الأمان ومصدر البناء والعطاء.
إن الالتفات إلى القيمية في هذه العناصر, هو أهم من الشكلية في هذه المرحلة وفيما سيأتي.. إذ على ذلك سيكون المعول الرئيس نحو نهضة صحيحة، علمية يستشرف منها أن تجني الجامعات ثمارها كما ينبغي.. بمثل ما ستثير البنية التحتية القائمة على قوى ودعامات إنشائية الثقة في تمكينها من أدوارها.