Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/12/2009 G Issue 13586
الاربعاء 22 ذو الحجة 1430   العدد  13586
المخرج الأمريكي من أفغانستان (2)
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

 

النجاح الأمريكي في العراق جاء بعد التأكد الإيراني من خطورة حسابات الربح والخسائر المتصاعدة في العراق، الأمر الذي يفسر التوصل إلى اتفاق ضمني لربما بشكل غير مباشر بين واشنطن وطهران التي أدركت تماما بأنها ستتأثر سلبا ببركان العراق المتفجر وبالتالي ستلام من شعبها ومن الشعب العراقي على بقاء حالة التأزم والصراع في العراق.

في الجبهة العراقية، الإيرانيون أدركوا خطورة استمرار بقاء الوضع العراقي المتأزم على أمنهم الوطني خصوصا على المدى البعيد. كما وأدركت القيادات السياسية السنية وغيرها المقاومة للاحتلال الأمريكي (خصوصا من عناصر الجيش العراقي المنحل) عقم التحالف مع تنظيم القاعدة بل وخطورته على أمنهم واستقرارهم القومي.

لذا كان من الأفضل والملائم لجميع الأطراف: الطرف الأمريكي والطرف الإيراني والطرف العراقي نزع فتيل التأزم والتصعيد في العراق والتوصل إلى الإعلان عن حالة التعادل بينهم على الجبهة العراقية.

أما تنظيم القاعدة فقد تمت عمليات تجفيف مصادر دعمه المادية والبشرية والقضاء على عناصره الجهادية والانتحارية القادمة من الخارج، كما وتمت علميات تصفية خلاياه المندسة في المجتمع العراقي بجهود عراقية وأمريكية وبمساعدة الدول المجاورة للعراق بعد أن أيقن الجميع خطورة احتمالات انتشار العدوى الجهادية إلى مختلف أنحاء المنطقة.

هذا الحال السياسي المرضي والوضع العسكري والأمني المتفق عليه في العراق لا ينطبق إطلاقا على الوضع السياسي والأمني والعسكري في أفغانستان. فالمستنقع الأفغاني مستنقع مفتوح على كافة مصارعه تلعب فيه مختلف الأطراف المعنية ببقاء الحال على ما هو عليه من تخلف وعدم استقرار وتشتت. والمستنقع الأفغاني مستنقع كبير وعميق متعدد الأبعاد بعوامل مختلفة لا يمكن توقع توقيت حدوثها وبمقدوره احتمال بقاء الحال الأمني الملتهب بل وحتى الإنساني المتوتر فيه لمدة زمنية أطول بكثير من المستنقع العراقي.

طبيعة أفغانستان الجغرافية معقدة ومتشابكة وخطرة، كما وأن طبيعة الأفغان الإنسانية بسيطة ومعقدة في ذات الوقت بثقافة سياسية محدودة وثقافة مدنية محددة وموجهة من قبل الزعامات والقيادات الأفغانية. وبالطبع فإن العرق البشتوني الأفغاني يعد امتدادا طبيعيا سياسيا وأمنيا للعرقية البشتونية الباكستانية. لكن المهم في الأمر، إن لم يكن الأهم، فإن الدولة الوحيدة التي تمتلك النفوذ في أفغانستان هي الباكستان مع وجود نفوذ إيراني محدود في المناطق الحدودية الأفغانية.

مع هذا ورغما عنه، لم تنجح واشنطن في كسب الثقة الباكستانية والدخول معهم في تحالف إستراتيجي، وفشلت في استمالة القيادات والزعامات الباكستانية الفاعلة التي بمقدورها، من خلال منطقة القبائل الباكستانية، التأثير في الوضع الأفغاني الداخلي. على النقيض من ذلك تحالفت واشنطن أكثر مع عرقية الطاجيك (وهم قلة) الأمر الذي أفقدها ثقة البشتون وهم الأكثر قوة ونفوذا في أفغانستان وجعلت منهم الأكثر دعما وتأييدا لتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية.

أضف إلى ما سبق فإن الوضع المذهبي والطائفي على الجبهة الأفغانية مختلف تماما عن الوضع المذهبي والطائفي في العراق، ففي أفغانستان لا يوجد نفوذ إيراني مذهبي وعرقي قوي كما هو حالها في العراق، وفي أفغانستان فإن الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني من السنة ومن العرق البشتوني الذين يحظون بدعم وتأييد العرقية البشتونية الأفغانية والباكستانية. كما وأن أفغانستان من الدول الداخلية الفقيرة (غير الساحلية) التي لا تحظى بوجود أطماع إقليمية أو حتى دولية في مصادرها وثرواتها الوطنية الفقيرة.

من هنا فإن الطبيعة الجغرافية الجبلية الداخلية لأفغانستان تعد عاملا مساعدا على بقاء حالة المقاومة الأفغانية لعقود طويلة من الزمن، إلى جانب القدرة على تحمل الأفغان البشتون للخسائر الكبيرة في الأرواح مع غياب أو انعدم المساءلة الشعبية لتلك الخسائر، وهو أمر لا يحتمل أو يسمح به في سياسات المجتمعات الغربية. أخيرا فإن الوضع السياسي والاجتماعي الأفغاني مشابه تماما للوضع السياسي الأوروبي في العصور الوسطى، عصر لوردات الحروب والإقطاعيات، مما يجعل الجانب الأفغاني أكثر تأهلا للمقاومة واستمرارها عن الوضع الغربي الأوروبي والأمريكي. البقية في العدد القادم إن شاء الله.

www.almantiq.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد