رئيس تحرير صحيفة عربية كبرى أبعد في منتصف النصف الثاني من القرن الماضي من إحدى الدول الخليجية، وجاء إبعاده بسبب مقالاته القوية الانتقادية التي لم تتناسب مع سياسة الإمارة آنذاك، فالحادثة حصلت قبل الاستقلال.
بعد أبعاد ذلك الصحفي الحاد القلم ولا يزال كذلك، تبرع صحفي آخر من أبناء بلده أراد أن (ينافق) جهاز أمن الدولة في تلك الدولة الخليجية التي أبعدت الصحفي، فنشر قصة عن تلقي الصحفي المبعد مبالغ من حكومة الإمارة، وأنه مع ذلك يهاجم رموز الحكومة في مقالاته، ويدس عبارات تسيء إلى تلك الرموز.
لم يكذب الصحفي الكبير معلومات ابن بلده العامل في صحيفة أخرى بتلك الدولة، وأكد المعلومة بل وأضاف إليها بأن جهاز أمن الدولة في الإمارة الخليجية يدفع لمجموعة كبيرة من الصحفيين العرب وجلهم من اللبنانيين والفلسطينيين وتأكيداً لهذا القول قام بنشر قائمة بأسماء الصحفيين الذين يتسلمون (شرهات) من الدولة ومقابل اسم كل صحفي المبلغ الشهري الذي يتقاضاه.!!
الصحفي الكبير الذي يرأس واحدة من أكبر الصحف العربية حالياً لم يكتف بذلك بل أضاف: ومثلما يتضح لكم بأن ما كنت أستلمه شهريا هو 120 ديناراً في حين الذي نافق أمن الدولة يتقاضى 80 ديناراً فقط..!! ومعنى هذا، هو أقل قيمة مني وبالنصف الناقص..!!
تلك رواية تناقلها الصحفيون بكثير من السخرية عن الذين يقبضون والذين لا زال الكثير منهم يقبض وجلهم من خارج الحدود.
قصة أخرى حصلت أيضاً في القرن الماضي لرئيس تحرير مجلة عربية كانت أهم مجلة سياسية في الوطن العربي وكان البلد الذي يهاجم في تلك المجلة، يسعى بكل السبل لإرضاء رئيس التحرير ذلك الذي كان أيضاً صاحبها، ولذلك كان يستقبل كرؤساء الدول، وله طريقة خبيثة في ابتزاز الدول حيث يبدأ في نشر الأخبار والمواضيع المسيئة عن تلك الدولة التي يخطط على ابتزاز مسؤوليها وقد نجح مخططه الخبيث هذا، فما أن يبدأ بنشر فضائح تلك الدولة حتى توجه له دعوة لزيارة عاصمة البلد، وبعد أن يضيفوه عدة أيام يملأ حقيبته بحزم الدولارات يعود لبلاده ليتوقف الهجوم.
وقد تعرض بلد عربي وللمعلومية ليس من دول الخليج العربية التي كانت علاقتها مع أفضل ما يكون مع ذلك الرئيس حتى قتل..!! ولكن دولاً عربية أخرى ظلت عرضة لنشر فضائح مسؤوليها ونشر المواضيع السلبية ضدها، وكالعادة جرى استضافة رئيس التحرير ذلك وتم مقايضة ثمن سكوته ووقف النشر السلبي مقابل حزمة ملايين من الدولارات وفعلاً توقفت الإساءات وأخفيت الفضائح، إلا أن المسؤولين في ذلك البلد هاتفوا ذلك الرئيس وقالوا له: صحيح إن الاساءات توقفت ولكن لا تنشر عنا الأخبار الطيبة ولا تمدحنا، فما كان منه إلا أن يقول لهم: إنكم دفعتم لوقف السباب.. أما ثمن المدح فله سعر آخر وعليكم أن تدفعوا..!!
هاتان الروايتان تكشفان كيف تخرب ذمم الصحفيين وكيف تغتال الكلمة الحرة في سوق النخاسة التي تتفشى الآن في الفضائيات التي يتكلم أصحابها بلغة الضاد ويمولهم الأعاجم.
jaser@al-jazirah.com.sa