Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/12/2009 G Issue 13586
الاربعاء 22 ذو الحجة 1430   العدد  13586
حملة أوباما ضد التمرد الطالباني: إستراتيجية تعترضها مصاعب ومخاوف
د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ

 

خلاف في الرأي يكاد لا ينتهي ووجهات نظر متباينة بين الحمائم والصقور، إذ أخيراً أعلن أوباما مشروعه ضد التمرد الطالباني في أفغانستان. ولكن قبل ذلك ألم يقل أوباما إنه ضد جميع الحروب، لا سيما (الغبية) منها، أليست حرب...

.....أفغانستان، المأساوية في الوقت الحاضر، حرباً من هذا النوع؟ حرب يتم تمويلها لتنتهي الأموال إلى جيوب المتعهدين من الشركات الأمريكية و لا تصل إلى الأفغان المحتاجين فعلا للمساعدات. ثم تلكم الحكومة المنتخبة أو التي أعيد انتخابها تحوم حولها الشكوك ولا يثق فيها المواطن الأفغاني، فماذا يا ترى ستحقق الحملة الجديدة؟

ثلاثون ألفا من الجنود الأمريكيين، مضافا لهم ما يقارب العشرة آلاف من دول حلف الناتو، كما طلب ماك كريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، وما قرره أوباما لفحص إستراتيجية قندهار في الجنوب الأفغاني المتاخم للحدود الباكستانية، المشابهة لإستراتيجية الرئيس جونسن في عام 1965م: سرعة الإرسال ومن ثم الخروج، ستكون المهمة لمدة قصيرة من الزمن نسبيا ثم العودة للوطن! ألم يكن أوباما ناقدا لسياسة بوش في التوغل في أي من الحربين (العراقية والأفغانية)، والآن سيصرف عشرات المليارات من الدولارات على هذا التصعيد، يقدر الخبراء تكلفة تبلغ مليون دولار للجندي الواحد للعام الواحد، فنحن نتكلم عن 30 بليون دولار، مقدار الفاتورة لتجييش هؤلاء الجنود سنوياً.

والسؤال المطروح في الساحة الأمريكية: هل يمكن تبرير صرف هذه المبالغ من أجل محاربة المد الطالباني في أفغانستان وعلى الحدود بينها وبين باكستان؟ لقد قرأ الرئيس الأمريكي ومساعده كتاب جولد ستين، ويشبه قراره قرار كندي في فيتنام باتباع نصيحة المستشارين العسكريين، كان مصمما لتقويم قرارات العسكريين في فيتنام إذ كان جل همه: المحصلة النهائية، ومثل إستراتيجية الرئيس جونسن في حملته التصعيدية ضد المتمردين الفيتناميين. لقد طلب جنرال ماك كريستال 40 ألفا من الجنود ورأى الرئيس أوباما إرسال 30 ألفا وسيرسلون خلال ستة شهور، وبشكل أساسي لإتباع إستراتيجية مقاطعتي قندهار وهلمن الجنوبية الشرقية المتاخمة للحدود الباكستانية. فسيكون الإرسال الأخير مضافاً إلى 60 ألفا من الجنود في أفغانستان حاليا، مضافا إليه ما سوف تساهم به دول الناتو، وكأن الرقم المراد الوصول إليه 100 ألف من العسكريين. هنا يطرح سؤال: بناء على ما أوضحه أوباما في خطابه الأسبوع الماضي، أسوف يغلب على الحملة الطابع البوليسي أم العسكري، أم الجانبان؟ والجواب على السؤال معقد بمقدار تعقيد الوضع الأفغاني نفسه.

ضمن الحقيبة الإستراتيجية (الأوبامية) تأييد باكستان وتنمية الجوانب الديمقراطية والأمنية والاقتصادية فيها، بعد أن تصمت المدافع. ولكن إن صاحب الجنود عدل ومكافحة للفساد وأمن سيكون لهذه الجنود تأثير، ولكن هل سيرحب الأفغان بالمزيد من الجنود؟، هل سوف تتغير الأمور في حكومة أفغانستان لمحاربة الفساد وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين؟ إضافة ثلاثين أو أربعين ألفا، ماذا سوف تحقق هذه الزيادة من الجنود لحماية السكان المدنيين، ولمحاربة المتمردين وبناء الاقتصاد؟ وثمة جدل يدور حول الجدول الزمني للانسحاب، إذ من الصعب تحديد جدول يساعد على الإسراع في العملية، ولكن الذي يبدو أن هنالك التزاما طويل الأمد يلوح في الأفق.

ثم ما دور الأمم المتحد والناتو؟ بالنسبة للأمم المتحدة سينحصر دورها في الجانب المدني والتنمية الاقتصادية بشكل عام، أما مشاركة دول الناتو فيبدو أن الهدف منه ينحصر في رفع الحرج عن أمريكا لكي لا تكون متفردة بالساحة الأفغانية، أو بعبارة أخرى، استمرار تدويل التصعيد العسكري في المنطقة، أما فيما عدى ذلك فمعروف من سوف يستمر في الصولة والجولة.

لا يوجد إستراتيجية واضحة للعمل ولا رؤية واضحة لجدول الانسحاب، على الرغم من تحديد بدايته، وليس هناك شيء جديد، بل تلبية لطلب ماك كريستال ومن ورائه العسكريون منذ شهر يونيو الماضي. إن كان هناك ثمة زيادة للضربات الجوية فسوف تسبب زيادة في الضحايا من المدنيين، إذ إن تحديد العدو بالنسبة للأمريكان لم يكن واضحاً حتى الآن، أما إذا تحدد العدو في كل أفغانستان، على أساس محاربة المتمردين، فهذا عمل بوليسي أكثر منه عمل عسكري، وما أعلن يميل نحو العمل البوليسي وليس العسكري، وهذه إستراتيجية لا طائلة من ورائها.

هل هناك إطار عام للخروج من المنطقة؟ الوضع فوضوي في التطبيق لعدد من الأسباب ويعود إلى طبيعته العسكرية، إلا أنه لا يزال العديد من الخبراء العسكريين يشكك في جدوى هذه الحملة العسكرية، أو تصعيدها، سيما إذا كان أوباما جاداً في جدول الانسحاب الذي حدد بدايته في الشهر السابع من 2011م.

ترى جينز مكنزي، الصحفية التي عاشت لأكثر من خمس سنوات في أفغانستان أن الافتراض لدى رؤساء الجيش بأن الأفغان سوف يشعرون بالأمان مع إعلان إرسال المزيد من الجيوش لن يطمئنهم، لا من حيث الجنود الذين سوف يرسلون ولا من ناحية تحديد الخروج خلال 18 شهرا من الآن. أما الديمقراطية، التي يحاول الغرب توطينها في أفغانستان فلم تخدم الأفغان ولقد شاهدوا العملية الانتخابية تزيف أمام سمعهم ونظرهم. الأفغان في الجنوب بين المطرقة والسندان: من ناحية الحكومة الأفغانية، التي تحوم حولها الشكوك، ومن أخرى الحضور العسكري المتزايد. وباستثناء مقاطعتي نوا ودار مسير، الواقعتان في الشمال الغربي من أفغانستان إضافة إلى هلمن القريبة من العاصمة كابول، يبدو أن طالبان مسيطرة على الوضع.

عندما أكد أوباما، في خطبته الأسبوع الماضي، على استيعاب الدرس من العراق، كما في أفغانستان، هل نجح التصعيد في العراق؟ لا تزال جميع المشاكل موجودة. في أفغانستان هنالك من ينصح بإحضار الكثير من النقد لاستمالة الناس، تأكيداً على مبدأ العصا والجزرة، كما ينصحون بالقليل من الكلام والمزيد من السماع للناس لمعرفة ما يريدون.

وباختصار فإذن غطرسة الإدارة الأمريكية وجبروتها انعكس على العاملين لحسابها من العسكريين والمدنيين والمقاولين، فلعل زوال تلكم الغطرسة المتمثل في حكومة أوباما يغير بعض الشيء من الواقع المرير في أفغانستان لعلهم يحاولون سماع الناس ومعرفة وفهم مطالبهم، أوليس على رأسها أن يتركون وشأنهم؟

أما الديموقراطي جيم مجفرن من ولاية ماستشوسس فيعارض وبقوة إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان ثم الخروج بدءاً من منتصف عام 2011م، ويذكر أن إرسال المزيد من الجنود سيزيد من صعوبة الخروج من أفغانستان وسوف يبطئه، ويقول إنه صرفت بلايين الدولارات وقتل الكثير على مدى ثماني سنوات. ويذكر أن كرزاي غش في الانتخابات الأخيرة، أما هذا التصعيد فليس وصفة مناسبة للنجاح، وأخيراً يتساءل مجفرن: هل من أجل مائة من القاعدة ترسل كل هذه الجيوش؟ أما حال الأمريكيين فيقول إننا نقدم المساعدات التي لا تصل للمواطنين الأفغان بل تنتهي في جيوب المتعهدين الطامعين في الربح بلا حدود.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد