ما إن أُذيع أمر خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - بخصوص فاجعة جدة، حتى هبَّ المتحدثون يشيدون بمضامينه ويحللون فقراته، ويتقصون أبعاده.
مسئولون تنفيذيون وشوريون وحقوقيون يتحدثون. ويبكي بعضهم الفاجعة بأثر رجعي. ولكن كل حديث بعد حديث وقرار الملك وأمره الكريم، سيكون فضلةً زائدة لا تسعها خارطة الفاجعة، ولا تلوي على غير ملء الفراغ والصمت بأناشيد المروءات المتأخرة والحماسات والفصاحات المفاجئة. نبغوا فيها فجأة؛ لكنها زائدة عن الحاجة، ثقيلة على النفس. لأن فاجعة جدة أوجعت القلوب، وجرحت الضمائر وقوَّضت الثقة بكل كلام جميل ومواساة باردة. فاجعة جدة أظهرت حقيقة الوضع الذي ظلَّ مطموراً تحت ركام من الأرقام والمجسمات المضيئة المتخيلة والتصريحات الرنانة والوعود الجميلة.
كان أولى بالضمائر الغائبة - التي حضرت فجأة - أن تستيقظ منذ زمن بعيد.
وإذا كان من لوازم العمل الإعلامي والحوارات المصوَّرة - التي أتت وواكبت الحدث متأخرة كعادتها - أن تأتي بأولئك متأخرين. فخير لهم ولنا ألا يأتون أبداً، فقد أوجع وأدمي الناس.
كم جدة، وكم بريمان، وكم قويزة، وكم شرق وغرب، واتجاهات وأماكن وعشوائيات وأودية دفنها الجشع؟ لازالت خامدة يسترها حجاب ضئيل كليل هش من الصمت.
هل ينتظر من تحدَّث فاجعة جديدة، تكشف فصاحته ونباهته ومقاييسه، وقدرته على فحص الواقع وتحليل الأبعاد.؟
نحن من أكثر شعوب العالم حديثاً عن الدين وتعاليمه والشريعة وقيمها، فأين أولئك من أهم ركائز الشريعة ومقاصدها: الأمانة والمسئولية، وحفظ النفس والمال؟
هل صارت أدبيات تزيينه حليا بلاغية ذابت من كثرة تردادها مع أبخرة الأنفاس ورياح الكلام. عندما لم تجد واقعاً يسندها؟.
ألا يعي هؤلاء وأشياعهم، أنهم يصيبون كياننا في مقتل، وهم يقدِّمون للعالم الوجه القبيح للشعار وتطبيقاته؟
بينما المساحة تضيق عن استرجاع كل دوافع الوجع، وتضيق عن تتبع كل مواضعه وشياته.
أما أنت يا خالد الفيصل، واسمك يشي بكل معاني السمو والفروسية، وفي جبين الوطن إكليل من نور دُوِّنت فيه سيرتك.. نموذجاً للإرادة والإدارة، ومثالاً وضيئاً للتنمية/ الواقع الشاهد، والحزم والحسم، تشهد به كل ورقة شجر، وكل قمة جبل - أقامت عزيمتك التواءاتها -في الجنوب، والآن الآن، ليس الجنوب وحده فكل جهات الوطن تتجه إليك، وتحبس أنفاسها على وقع خطواتك في مسيرة تقصِّي الحقائق وكشفها. ومن ذمة الملك إلى ذمتك، في بيان رفيع، جاوز كل مألوف لأدبيات تداول المسئولية، وقدَّم نموذجاً رفيعاً ندياً بلَّلت أصداؤه قلوبنا. كأنبل ما يكون الموقف. وأجلّ ما يكون حمل الأمانة.
الأمل بالقضاء على الفساد، وتقديم نموذج حقيقي ومسئول وشفَّاف معقود بقيادتك الأمينة، مرهون بخبرتك ورؤيتك وإرادتك. فيك ومنك سيكون مفصل الفعل؛ ولادة وبداية وممارسة، وسيكون ضمانة لمستقبل الوطن والمواطن.