Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/12/2009 G Issue 13586
الاربعاء 22 ذو الحجة 1430   العدد  13586
السريالية تلفيق فلسفي لا غير (4-4)
بقلم -أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

 

قال أبوعبدالرحمن: رائد السريالية من شعراء الخواجات (رامبو)، وقد أملى على الشعراء كلماتٍ كيفما اتفق عَدُّوها أحدث إنتاج من مصنع الحقائق ؟.. أملى عليهم: إن وظيفة الشاعر أن يكون عَرَّافاً متنبئاً!!.. وأوصاهم من أجل تحقيق ذلك بإضعاف قدرة الحواس

على أداء وظائفها المعتادة (أي لتتحقَّق الهلوسة الصوفية).. كما أوصى بنزع الصفة الطبيعية والإنسانية عن الحواس، ثم تقول: (لماذا هذا الهواس؟)؛ فيأتي الجواب بأن الحياة الروحية السَّوِيَّة عقيمة فنياً؛ فالتحريف والتشويه هو أداة التعبير الموصِّلة إلى المعنى الخفيِّ للأشياء؛ وإذن فكل شيء طبيعي (يعني فطرة الله) في الإنسان فيجب على الإنسان أن يقهره!!.

قال أبو عبدالرحمن: نيابة عن المتلقي أقول: (سمعاً وطاعة يا رامبو.. ولكننا حاولنا فعجزنا عن تغيير فطرة الله وتبديلها، وعجزنا عن اصطناع هلوسة تنتج لنا أي معرفة ولو كانت ظاهرة, وناهيك بالمعرفة الخفية للأشياء!!.. فنرجوك أن تمنحنا من إبداعك أو إبداع غيرك نموذجاً أدبياً فنياً قام على تغيير فطرة الله وتبديلها، واصطنع هلوسة جنونية؛ فحصل له من النص الإبداعي معرفةٌ خفية بالأشياء؛ لنتأمل صُنْعَ هذا النموذج، فنترسَّم خطاه، وربما أبدعنا أفضل منه ؟).. ومحال أن يقدم لك سريالي أو غير سريالي نصاً إبداعياً حقَّق القدرة على محو الفطرة، وأنجز معنىً مُهَلْوِساً مُتَصَوَّراً, وحقَّق معرفة خفية بالأشياء؛ فماذا يعني هذا الفراغ والعماء؟!.. الأمر واضح: إن السريالية قدرةٌ على النطق بما هو جنون، ومحال، وضد الفطرة، ونبوءة بمعرفة الخفي من الأشياء.. إنها قدرة على النطق بهذه المطالب المحالة كقولك: اصطنع هلوسة تنتج لك معرفة خفية، وهي أن 2+2= 7 لا = 4!!.. إنه يَعِدُ من نفسه أو يأمر غيره نطقاً باللسان أن يحقق هذا المحال.. أما قدرة الواعد أو المأمور فلا سبيل إليها؛ ولهذا قلتُ مُقْتَصِداً عن السريالية: (إنها تلفيق فلسفي لا غير)، وما هي بفلسفة حقيقةً، ولا تلفيقاً من فلسفات صحيحة، وإنما هي نطق واعدٌ أو أمر بالمحال وبالجنون.. واقتصادي في التعبير تنزُّلٌ في الاستدلال، ولكن الإنجاز العظيم الذي حققه جنون السريالية هو إظهار مراد التجمُّع الظلامي كتعطيل مواهب البشر وَقُدراتهم مدى أعمارهم بما لا ينفع، وبما يعطِّل استخلاف الله لهم في الأرض، والبرهان على ذلك أن (مالارميه) موهبة فذة بلا ريب؛ فماذا كان مصيره بعد أن اقتنع بجنون السريالية.. مصيره: أن قضى حياته في كتابة وتصحيح -أو إعادةِ كتابةِ- اثنتي عشرة قصيدة، وضعف هذا قصائد قصيرة، وست قصائد طويلة، ومشهدٍ درامي!.. ومع هذا لم يحقق نموذجاً وفق مواصفات الجنون السريالي!!.. وبعضهم ترك المواصلة السريالية؛ لأنه عجز عن تحقيق النموذج فيئس، فَتَرك!.

ولقد قلت لكم: إن السريالية بنت الدادية، ولم يعرف أحد من الخواجات أي معنى لكلمة (دادا) إلا أنها حكاية لأول محاولة للطفل وهو رضيع ليعبِّر بكلمة منطوقة؛ فعسى أن تكونوا أيها المتلقون أطفالاً يناغونكم ب (دادا)!!.. وبعد ذلك يدربونكم على النطق بهذه الفقرات من بيان الدادين عام 1918م: (سنحطِّم علب الدماغ وعلب النظام الاجتماعي؛ لأن كل ما يقع أمام أعيننا ما هو إلا مجردَ كذبٍ)!!.. ثم ما أعظم هذا الإبداع الدادي لشاعرهم (تزارا):

(لقد أصبحنا مصابيح شوارع.. مصابيح، مصابيح، مصابيح، مصابيح، مصابيح).

قال أبو عبدالرحمن: نحن نسكن على الكرة الأرضية، وهي بيضاوية الشكل إلا أنها دائرية.. والدائرة رمز الأبدية؛ لأنه لا يوجد نقطة كانحناءة الخط المستقيم في المربع انحاءة انكسار تُوَقِّف حركة الدائرة المستمرة؛ فما عليهم أن ينطقوا بكلمة (مصابيح) مدى حياتهم وحياة أجيال بعد أجيالهم إلى أن تقوم الساعة؛ لأن كل طيار يسبح في حركة دائرية في كنف الجاذبية بلا توقف إلى أن يأذن الله بفساد الكون؛ ولهذا تخيَّل بعضهم أنه لا يُستبعد أن يقدر العلم الحديث على تسجيل كل ما دار سابحاً تحت الجاذبية من نطقٍ ككلام آدم عليه السلام، وحوار قابيل وهابيل، وإنباء الهدهد لسليمان عليه السلام.. إلخ.. إلخ.. ثم اقرأوا هذه القصيدة قالها (تزارا)، ثم سبحوا بحمد ربكم بكرة وأصيلاً:

(هنا يبدأ القارئ بالصُّراخ.

يبدأ بالصراخ.. يبدأ بالصراخ.. وفي الصراخ.

تظهر المزامير مزيَّنة بالمرجان.

القارئ يريد أن يموت، وربما أن يرقص.

ويبدأ بالصراخ.

إنه عبيط غث ومنهمك.. إنه لا يفهم.

أشعاري ويصرخ

إنه أحدب

في روحه تعرُّجات و ر ر ر ر ر كثيرة.

نباز باز انظر إلى تاج البابا الغائص في الماء المفروش.

بأعشاب الماء الذهبية.

أووز وندراك تراك.

نفوندا نبابا نفوندا تاتا نبا بابا).

قال أبو عبدالرحمن: أظن أن كلام السكارى الطافحين الذين يرون الديك فيلاً (لا حماراً)، والمجانين الذين يذرُّون السماد على رؤوسهم أيسر فهماً من شعر (دادا تاتا بابا ور ر ر ر ر)، بل قد تسمع لغة غير لغتك لا تفقه معناها، ولكن ربما فهمت منها معنى طبيعياً كفهمك المعنى الطبيعي في (الخشخشة)، وربما فهمتَ منها نمطاً موزوناً يؤلف لك وزناً.. أتدرون ماذا يقول الحواة كالتكريتي ناقلاً لا محاكماً.. قال عن جهود (و ر ر ر ر ر نبا بابا): (وقفوا في وجه ابتذال اللفظة الشعرية بالكليشهات التافهة.. إلخ).

قال أبو عبدالرحمن: يابا يا تكريتي.. يا عيني: صَح يا سيادة الرئيس.. لقد مَلَلْنا كليشهات (فلان بحر) أي في الكرم، و (عنتر أسد) أي في الشجاعة، ولكن أين الجمالُ الفكريُّ الخُلُقي البديل؟.. إنه (ور ر ر ر ر تاتا نبا بابا).. يابا يا عيني يا تكريتي: ارسم لنا مواصفات هذه (الجوقة) لعلنا نحصِّل ولو دلالة غنائية ؟!.. أو كما قال الممثِّل الكوميدي الهنيدي عفا الله عنه مستحلياً اسم (مها): (مها.. مها.. مهها.. إزَّاي يِنْكتب.. مهها.. أتحدَّى أَجْدَع خطاط أن يكتب مها مهها).. كما أن دور الهنيدي في التمثيل صوَّر صورة صادقة حال عاميٍّ يَدَّعي أنه خِرِّيج (السربون)؛ ولهذا لما أراد امتحان (مها) لم يجد عنده عِلماً يطرحه، فلجأ إلى الإلغاز عن شيء يُعصر ويشرب، وهو يعني البرتقالة، وهو يريد نجاح مها التي أسرت عواطفه فجعل اللغز أوضح من الواضح مثل من ألغز بدويبة تمشي على أربع، وتقفز على الجدار وتمشي عليه، ولا تأكل البرسيم؛ فإذا رأت لحماً أو شَمَّته قالت: (نَو)، ولها ذيل طويل، وشوارب، ومخالب.. يعني القط، فهل بمقدور أحد أن يطرد البليد عن فهم هذا اللغز ؟!!.. وَمِثْل الهنيدي عبدالمنعم مدبولي عفا الله عنه لما سئل عن معنى حكاية صوت أظنه (تِش) أو (بش)، أو شيء يقرب من معنى العطاس أو الرَّشِّ (نسيتُ) فقال: تملأ فمك حبراً، ثم تمجُّه على الحَيْط (الحائط)، فالمعنى هو ما سيكون على الجدار من رَسْم!!.. هكذا السرياليون: إما إغراب بالمحال، وإما تفسير للواضح بالغامض ؟!.. ولقد وجدت عند التكريتي شمامة على بعد من المحاكمة.. قال لا فُضَّ فوه بعد (تاتا بابا و ر ر ر ر ر): (ومع ذلك فقد كانت هذه الأسلحة بعيدة عن الكمال فضلاً عن كونها قد شكَّلت خطراً على هؤلاء الشعراء أنفسهم؛ ذلك أن الدادائيين لم يكتفوا برفض التفاهة المقلدة عند البوربوازيين، بل رفضوا معها التقاليد الواقعية أيضاً، وواصلوا السير مع التيار العصراني المعبر عن نزعة في الفن الحديث تهدف إلى قطع الصلات بالماضي والبحث عن أشكال جديدة في التعبير.. إن عدداً محدوداً من الشعراء ذوي المواهب الكبيرة هم وحدهم الذين استطاعوا نتيجة عمليات استقصاء مضنية وطويلة: أن يذللوا النزعة الدادائية والسريالية بعدها، وليخرجوا من المسالك الضيقة إلى الطريق العريض والواسع للشعر).

قال أبو عبدالرحمن: إن كان هؤلاء الرواد ذوو الطريق العريض الواسع من متأخري الدادئيين أو السرياليين فالعَجلَ العجل بإبداعهم الأدبي لعلنا نجد فيه ما نترسَّمه؟!.

ولما وصل حديث التكريتي إلى السُّريالية رحمنا بنموذج يراه سريالياً قاله (فيليب سوبو):

(الساعات تمر والشمس لا تبزغ.

وتحت ضوء مصباحٍ أغبش ستة عشر سريراً.. روتين.

كلا ليس الروتين وحده عبودية).

قال أبو عبدالرحمن: لا يمكن أن أفهم الشعر الخواجي إلا بأحد سبيلين أولهما: أن أكون بلبلاً في لغة الشاعر، وثانيهما: أن يكون المترجم عبر لي بصورة مطابقة أو مقاربة من الجمال في مأثور الأدب العربي بلغتي كما يفعل الزيات وأحمد رامي مثلاً، ولكن المترجم لم يفعل هذا.. وعلى الرغم من كل ذلك فهذا النص المترجم جميل ذكي على أنه نثر لا غير، وهو يُعَبِّر عن عِقَم الغرق في المعتاد (الروتين) الذي يرمز له ببزوغ الشمس، ومثَّل للروتين بالنوم المعتاد من 16 سريراً تحت مصباح ليلي خافت النور.. مع أنه لا فرار من روتين النوم؛ لأنه الغِذاء لمواهبنا.. إلا أن هذا النص الجميل وإن تمذهب للسريالية عبَّر عن قيمةٍ رمزية ليست وقفاً على السريالية؛ وإنما نطالب السريالي بنموذج وفق دعواه العبثية يُحقِّق لنا إحساساً جمالياً.. على أن هذا الرمز وفِّق في دلالة بزوغ الشمس، وأخفق في ستة عشر سريراً؛ لأن النوم ليس روتيناً, ولكنه مطلب جسمي ومناخي، فتارة تكون العادة النوم تحت النجوم، وتارة في لفائف من اللحاف في غرفة لا نفس لها على سرير أو في الأرض، وتارة تحت كِنٍّ تتخلل جوانبه خطرات نسيم من النوافذ على سرير أو في الأرض.. ثم إن الرمز بستة عشر سريراً ليس وراءه مدلولٌ فني بخلاف بزوغ الشمس الذي هو تجديد يزيح ملل الروتين.

ومن غباء التكريتي تشبيهه جماليات السرياليِّين بالجمال في النزعة الرمزية.. يعني من ذهب منهم إلى محضيِّة الفن ومجانيته، والواقع أنهم لم يُحضروا إبداعاً طبق مواصفات العبث السريالي؛ لنحكم على جماله بالمجانية أو النفعية.

قال أبو عبدالرحمن: الإيغال مع السريالية في زبالات العبثية مَضْيعَة للوقت، منقصة للعقل؛ لهذا أختم هذا الهراء بكلمة (بريتون) في بيان السريالية عام 1929ه -والسريالية نزوات بيانات، وليست إنتاجاً فنياً أو فلسفياً-: (إن أبسط فِعْل سِرْيالي يتمثَّل بالخروج إلى الشارع، وإطلاق النار من المسدس في صدور الناس كيفما اتَّفق، وبكل ما أوتي المرء من قوة).

قال أبو عبدالرحمن: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد؛ فإلى العنصر التاسع والعشرين:

29- في تعريف الأستاذ الطلعة مجدي وهبة خطأ في التعريف بالسريالية في تحطيم الثوابت.. قال: (النشاط الحقيقي للفكر سواء أكان في حالة شعورية أم غير شعورية.. في حالة حلم أم يقظة، في حالة مرض (نفسي) أم صحة نفسية)(1).

قال أبو عبدالرحمن: إنما يريد بالفكر إبداع الخيال القابل للاستحالة أو الإمكان، وجمهورهم يُغَلِّب اللاشعور والحلم.. ولا أدري كيف غاب عن بال الأستاذ هذا وهو القائل: (فالإبداع السريالي(2) إذن ما هو إلا ما يمليه التفكير إملاء ليس له ضابط من العقل والمنطق)(3)؛ فليس هذا هو صفة فكر العقل، وذكر المرحلة السريالية الأولى فميَّزها بصفة خاصة (4)؛ فلولا ذكره (المحاولة الفنية) لكان الأمر تسجيلاً لعناصر اللاشعور والحلم، وهذا أقل درجة من التحليل النفسي؛ إذن المحاولة الفنية هي تكوين عالم خيالي من عناصر الحلم وما سمَّوه اللاشعور، وهذا ما لم أعرف له نموذجاً أدبياً في إنتاجهم.

قال أبو عبدالرحمن: ومن هذه العناصر والوقائع التي سردتها يتضح أن المعنى الكلي المرتبط بالسريالية لغةً هو تحريك نشاط الخيال في مادتي الحلم واللاشعور الذي بيَّنتُ أنه شعور حقيقي، وإنما المنفيُّ أشياءٌ مثل عدم الوعي بالمشعور به حال إبداع النص، وإنما حضر تلقائياً.. وسمَّوا العالَم الذي يؤلفه الخيال واقعاً وراء الواقع تجوزاً؛ لأنهم أرادوا الفرار من آلام الحروب والمنجزات العلمية إلى عالم الخيال؛ فسمَّوه واقعياً لذلك.. وإن الموهبة العربية قادرة على إبداع عوالم خيالية مادتها الحلم والمشاعر -سواء أسمي ذلك الإبداع سريالية أو لم يسم-.. فمن تلك العوالم القصة شعراً، أو نثراً.. وهكذا الأقصوصة، والرواية، والمسرحية.. وتلك الواقعية هي الواقعية الأدبية لا الواقعية التاريخية.. أي أنها ممكنة الوقوع احتمالاً؛ لارتفاع المقتضي والمانع معاً.. إلا أن هذه الواقعية الأدبية تتميز بأنها مُسْتَبْطِنَة الذات، صادرة عن أمانيِّها ومخاوفها، وأول محاولة لي ما فرغت منه منذ شهرين تقريباً من إتمام قصة بعنوان (الحيَّة من الحياة)؛ فجعلت بطل القصة (الربيع بن خريف) يتقمَّص شخصيتي في ظروفها الصحية والمالية، ثم يتقمصها بأحلام اليقظة التي تعنُّ لي.. ومنها أمانيُّ يبعثها طموح خيِّر كأن يحلم في يقظته بملكة الخيال بمواقف بطولية في عصورٍ بَيْنه وبينها قرون؛ فيتحدث بعموم الأماني تحدثاً بنعمة الله عليه بنيَّةٍ حسنة، ولا يصوغ عناصرها في عالم خيالي؛ لأن ذلك تزكية للنفس.. وأما العوالم الخيالية التي لا يبعثها طموح راشد كالشهوة الداعرة، والتضليل بهدم الثوابت، والفرار عن عزائم الأمور بجنون الهيبيين: فليس ذلك من دين المسلم وخلقه، وليس ذلك من مُقوِّمات الجمال الفني، بل هو هادم لها؛ لأن من المقومات كما أسلفت الجلال والكمال بقيمتي الحق والخير.. والسريالية ليست في حقيقتها شهوة إبداع، ولكن الإبداع الأدبي والفني في دائرة الفنون الجميلة، وهي (أي الفنون) مرغوبةٌ بدافع اللذة والسرور، فاسْتُرْحِلتْ السريالية بدعوى أنها للجمال الأدبي، وهي في حقيقتها أفكار إبليسية لتحطيم ثوابت الدين والعقل والأخلاق والكيان؛ ولهذا كان أدبهم وفنهم نِثاراً من التخريب يوجد في أكثر من مدرسة أدبية، ولا تتميَّز به السريالية.. وأحلام اليقظة عند المسلم يستغلُّها عندما يجد نشاطاً لابتداع عالم خيالي، ثم ينسى أحلامه ويقطعها، ولا يستسلم لها؛ فتتحول إلى هلوسة، والمحافظ على الدعاء الموظَّف والمطلق ليس للشيطان عليه سبيل.

وعوداً لتأكيد ما سبق من كون السريالية ليست إبداعاً أدبياً ولا إبداعاً فنياً مشكوراً؛ لأنها تعمُّدٌ للغموض: أذكر ما نقله عنهم الأستاذ جبرا.. قال: (وواقع الأمر أن السرياليين جعلوا منطلقهم من الغموض واللَّافهم والسخف عن قصد، ولكنهم اتجهوا في كثير من الجهد نحو تكوين نظرة جديدة إلى الحياة تكون الحرية بأوسع معانيها حافزها الأول(5)، وقد قالوا: (ليست السريالية مدرسة من مدارس الأدب، أو أسلوباً من أساليب النقد.. إنها حالة ذهنية؛ فالخيال وحده في عصرنا هذا يستطيع أن يستعيد للبشرية المهدَّدة فكرة الحرية)؛ فبينما كانت أكثر الحركات الفنية تُعنى بإيجاد أسلوب جديد في الرسم كالتكعيبية والوحشية والتجريدية والمستقبلية: قام نفر من الشعراء بحركة السريالية لجعلها فلسفة في الحياة، وقد قال أحدهم: إنها تأويل جديد للحياة، وانفجار الوعي الإنساني في الحقبة الأخيرة منذ هرقليطس وغاليليو)(6).

قال أبو عبدالرحمن: ما دامت الفلسفة عندهم (لا فهم، وسخفاً)؛ فالحرية التي يدَّعونها حرية سلوك إرادية عمياء، وليست حرية ذات معيار من معايير القيم.. واللاَّفهم لا ينتج حرية معيار، وإنما ينتج من اللافهم والسخف: إما لا فهمَ، وإما سخف.. المسألة سخف ولا فهم، فالنتاج مثل ذلك، والأتان لا تلد غزالة!.. وأكثر حضور السرياليين في الرسم وَفْق اتجاهات تشكيلية عبثية من مدارس فنية لا من إبداع مدرسة سريالية.. والفلسفة -ما دامت السريالية فلسفة- لا تكون إلا بخضوعٍ للبرهان, وبفهمٍ، وبأسلوبٍ مباشر ممعن في الإيضاح والتقسيم والأمثلة الشارحة؛ فبأي برهان يكون العبث والجنون انفجاراً للوعي الإنساني يُلغى البرهانيَّ والكياني ؟.. وفي المأثور إبداع أدب يُدَّعَى أنه سريالي؛ لأن الخيال صال وجال في خبايا الذاكرة، وأدغال النفس، وأحلام الإرادة من الرغبات والمخاوف؛ فأنتج عالماً خيالياً مُتصوَّراً ولكنه غير راجح الإمكان في الواقع كأساطير ألف ليلة وليلة والسندباد البحري.. بل في بعض رحلات الرَّحالين الكذَبة شيء من ذلك.

وههنا ظاهرة من العقل الأمي -وصفة الأمي الذي أعنيه هنا العامية، وفقد الثقافة، وقصور التفكير بمقتضى تخلُّفِ الثقافة- لدى بعض حملة تراثنا؛ فبيتُ الشعر الشارد، والمثل السائر عندهم برهان تُقضَى به الحقوق؛ فالبرهان (قال الشاعر)، أو (قالوا في الأمثال)!!.. ولا ريب أن كثيراً من الشعر والمثل حكمة برهانيَّة؛ لأنه عن تجريب صادق، ولكن ليس كل شعر ومثل عن حكمة، بل عن جنوح؛ فالطول هو الطول؛ فإذا أراد العامي المدح أخذ ظاهرة حميدة من الطول، فقال: (الطولُ عِزٌّ)، وإذا أرادوا الهجاء أخذوا ظاهرة وهميَّة غير محمودة، وقالوا: (الطول للشياطين).. وأبوفراس هو القائل:

(إذا مِتُّ ظمآناً فلا هطل القَطْرُ)

وبعكسه أبو العلاء المعري القائل:

فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي

سحائبُ ليس تنتظم البلادا

فأيهم ذو البرهان؟.. كلاهما لم يأت ببرهان؛ وإنما عبَّر عن مشاعره في حالة تخالف مشاعر غيره في حالة أخرى.. كما أنه ليس كل بيت شرودٍ أو مثل سائر يكون صادراً عن تجربة صادقة على إطلاقه، بل هو محكوم بظروفه؛ فالأميَّة في تلقِّي البيت والمثل على أنه برهان بإطلاق.. وهكذا الحُواة في تلقِّي عفن الأفكار السريالية يأخذون أقوال منظِّريها براهِينَ في ذاتها مع أنهم عاجزون عن تحقيق مضمونها، عَمُوْنَ عن محاكمتها.. ولكم شرقت بمباحث طويلة في الفلسفة والأدب الحداثي، فتكْثُر شواهد ذوي المباحث من أقوال المنظِّرين الخواجات، وربما داخلوها بتعويم إنشائي وتمعلم لتخلُّف الفهم؛ ولهذا تختفي روح المحاكمة.. والمشاعل المضيئة ذات المواهب ليست من أجل التصوُّر للمعاني على ما هي عليه من كمال أو نقص، ومن حق أو باطل.. إلخ؛ وإنما تأتي مواهبهم بروح المحاكمة بالصدق والعدل ضربة لازب.

وعندما تحدَّث الدكتور ثروت عكاشة عن السريالية وهذرها عقَّب بقوله: (ولم تصادف محاولات السرياليين أنفسهم النجاح في تطبيق مبدئهم في مجالات النحت والأدب والموسيقى مثلما نجحت في مجال التصوير إلا إذا تجاوزنا قليلاً إطار السريالية).. ثم أدرج في هذا الاستثناء رواية (يوليسيز) لجيمس جويس.. ووصف عمله الذي هو تجاوزٌ لإطار السريالية بأنه: (إرساءُ قواعدِ الكتابة اللاواعية أو الآليَّة كوسيلة (7) للارتشاف من حافظة العقل اللاواعي مما أسفر عن تقنية تيار الشعور التي تنساب فيها التجارب النفسية داخل الإنسان، والتي يَستَغِلُّ فيها جويس منهج تداعي المعاني)(8).

ولاحظ الدكتور ثروت في لوحات السرياليين صوراً فوتوغرافيةً، حالمةً، مرسومةً باليد، مزودةً برسوم مُختَلِفِ المخاوف المَرَضية والعُقد النفسية، وغيرها من عناصر علم نفس الشواذ.

قال أبوعبدالرحمن: أسلفت كثيراً أن عناصر الهذر السريالي عاجزة عن التصور لما يريدونه من إبداع أو علم أو كلام عادي كعجز أي وسيلة أن تجعل 4+4=7 أمراً متصوراً، ودعك من جعل ذلك واقعاً وراء الواقع نستطيع أن نعيشه؛ وإنما الواقع وراء الواقع هو (المُثُل الأفلاطونية) إذا أردنا تخيُّل الكمال أو السوبرمان بالنسبة للبشر.. وهب أن الإنسان يستطيع بحركة آلية نفسية بحتة (كما هو تقنينهم) أن يُعَبِّر عن اختلاجات الفكر الإنساني دون خضوع للمنطق، أو التزام بالقيم الجمالية أو الخلقية المتعارف عليها، أو كل برهاني وكياني.. هب أن الإنسان قادر على ذلك في حالة تلقائية من عدم الوعي، فليس هذا هو المهم؛ وإنما المهم دلالة التعبير التي حصلت في غير وعي كيف سيكون معناها بعد الوعي؟!.. والجواب لا احتمال له إلا بأحد ثلاثة أمور:

أولها: تعبير يُفهم في الوعي بأن مدلوله مثل مدلول 4+4=7؛ فهذا محال أن يظهر معناه بإبداع أدبي أو فني، أو بحصيلة علمية؛ لأن المحال معدوم لا سبيل البتة إلى إيجاده إلا بتغيير الهُويَّة كأن تقول: (أستطيع أن أُرَبِّع هذا الجسم الدائري)، فهذا قد يكون صحيحاً حسب استطاعتك أن تحول الجسم الدائري إلى جسم مربَّع، ولا تناقض في ذلك؛ لأن الهوية انتقلت من هوية دائرة إلى هوية مربع.. وهذا بخلاف (زيد الآن قائم قاعد) بدون أدنى تعاقُب زمني بين القعود والقيام؛ فهذا محال أوجد بالكلام غير المسؤول هوية لا سبيل إلى وجودها في الواقع؛ فلا تُتصور ألبتة؛ لأن هوية القائم أن لا يكون قاعداً، وهوية القاعد أن لا يكون قائماً.. إنه خَلْطٌ مُحال بين هُويَّتين وليس انتقالاً من هُويَّة إلى هوية.. إذن هذا الأمرُ محالٌ أن يكون إبداعاً، ومحالٌ أن يكون تعبيراً مباشراً عن شيء موجود مُتصوَّرٍ سواء أكان هو الواقع أم واقعاً وراء الواقع!!.. وإنما الممكن نطق اللسان به فقط، وهو من طَفْح السكارى والمجانين؛ فمن يحجر على اللسان أن يقول: ولدت الدجاجة، وباض الأسد، وطار الجمل، ولا وجود لشيء اسمه غضب، ولا معنى للأخلاق.. إلخ.. إلخ؟!.

والأمر الثاني: أن يكون التعبير ممكناً في الإبداع الأدبي كتصوير الفاحشة بأنها أم الفضائل، وتصوير الفضيلة بأنها سجن للإنسان عائق دون ممارسة الإنسان مواهبه.. ويكون هذا التصوير في الفن النَّصي الإبداعي؛ لأنه أوسع الفنون الجميلة قابليةً للتعبير.. وقد يكون التصوير على المأثور في أدبنا من النقائض في ذم الكرم ومدح البخل كما عند ابن الرومي والجاحظ وكتب المحاسن والمساوئ؛ فهذا إبداع حصل فعلاً؛ فهل نجعله لمجرد كونه إبداعاً عوضاً عن ثوابت المعرفة والإحساس في قِيَم الحق والخير والجمال؟.. أي هل نبيع البرهانيَّ والكيانيَّ بتزييف الخيال الذي يُعبِّر من خلال القِيَم ولكن بطريقة المغالطة؟!!.. إن الفن الجمالي كجو قوس قزح كله تسويل وتأنيس، ولهذا يُسترحل للمبادئ الهدامة التي يعجز عنها التفلسف.. إن الحُواة يتلقَّون تقنينَ العبث بمغالطات من قضايا برهانية كيانية، ويظنونها البرهانيَّ نفسه، والكياني نفسه.. ثم يُظهرون المُقَنَّن له بحيلٍ من البرهان والكيان في إبداع أو كلام مباشر يلغي البرهانيَّ والكيانيَّ؛ فكيف يقبل الحاوي التقنين للعبث بوساوس من البرهاني والكياني، ثم يتخلَّى - عند قبوله للنموذج العبثي- عن كل برهانيٍّ كياني؟!.. إن هذا ما يريده القصدُ الأوَّلُ لمدارس العبث؛ فما أرخص المواهب، وما أهون الحقائق أمام هذا التنازل الأنثوي في إرادة بَغِيٍّ ساقطة؟!.

والأمر الثالث: أن لا يعي المعبِّر ساعةَ المُخاض، ولا يعي شيئاً عن البرهاني أو الكياني تحكَّم في خياله -والسريالية تعبر عن الخيال بالفكر تضليلاً-، ثم جاء تعبيره تعبيراً إبداعياً أدبياً أو فنياً يُرقِّص القيم الثلاث (معايير الوجود)، فهذا الجمال والكمال يُلاحَظ كثرةً في غياب الوعي ببواعث الإبداع لا بالتغييب المتعمَّد للبرهاني والكياني؛ فلما أُدرِك في حالة الوعي بهذا المستوى الراقي عُلِم أنه صدر عن وعي قويٍّ أنيق، وإنما تخلَّف الوعي عن الإحاطة بأحوال لُحيظة المُخاض؛ فهذا هو الفاصل بين تضليل فرويد بلا شعور يصدر عنه أشياء، وبين صدور أشياء عن الشعور نفسه ولكننا لم نشعر بكيفية صدورها من الشعور حال صدورها.

ولقد بالغ سارتر في كتابه (ما الأدب؟) في دعواه أن الأدب غير قابل للتعبير، وهذه مغالطة رعناء، فكل الفنون قابلة للتعبير نصاً فنياً وموسيقى ورقصاً وتصويراً تشكيلياً على لوحة، أو نحتاً، أو تطريزاً في عمارة وشبهها كالأواني.. وأوسع الفنون الجميلة قابليةً للتعبير النص الفني، وأضيقها التصوير رسماً ونحتاً وتطريزاً، بل يكاد الأصل في التصوير يكون إثارة الحس الجمالي، ويكاد ينحصر تعبيره بما فيه من علاقة تثير الأنس والبهجة كتلذُّذ الرومانسي بصومعة في الطبيعة مع عشيقته، ثم يجد هذه الصومعة بشكل مقارب في لوحة رسَّام، فتقترن بذاكرته؛ فتعظم بهجته.. والرسم أكثر الفنون الجميلة تحمُّلاً للتزييف والادعاء بمعانٍ تعبيرية لا وجود لها؛ فلما أفلس السرياليون في الفنون الجميلة الأكثر قابلية للتعبير لاذوا بالرسم يُجسِّدون فيه دعاواهم الكاذبة، وغاية ما حققوه ما يوحي به الرسم -بعد المقارنة بصورٍ معهودة- من سحنات خائفة أو مريضة، وهذا ممكن للسريالي وغير السريالي؛ لأن ذاكرتنا تشحن وَعْيَنَا بسحنات مريضة، فتلك واقع لا يختص السريالي بتصويره، ولكنْ أيُّ رسم جَسَّد ما لا يمكن من دعاوى السرياليين من تصور العالم عدماً عبثاً غثياناً لا ضرورة لما فيه من كيان وبرهان؟!.

وأما رواية يوليسيز التي ذكرها الدكتور ثروت عكاشة فهي رواية (عوليس) التي صدرت عام 1922م باللغة العربية، ولا أكتم القارئ أن بدرجٍ من مكتبتي كتباً أعددتها للقراءة الحرة أطالعها على مهل منذ ثلاث سنوات، ومنها رواية عوليس بترجمة الدكتور طه محمود طه، وكتاب (نحو أدب روائي عالمي جديد - عوليس لجيمس جويس) لمحمد لطفي جمعة، وأوشكت الثلاث سنوات على الانتهاء ولم أنته من قراءة هذين الكتابين؛ لأنه لم يستعصِ على فهمي من الآداب مثل هذه الرواية.. أُمضي ساعات طويلة في تأمُّل ثلاث صفحات مثلاً حتى أحصل على فهم أطمئن إليه بعد كدٍّ ذهني ومراجعة؛ فكانت قراءتي قراءةً بحث لا قراءة متعة مع كثرة علامات الاستفهام التي علقتها في الهوامش لمزيد من المراجعة، وما تحصَّل لي منها ومن دراسات عنها أعطاني شبه اليقين أنه لا علاقة لهذه الرواية من قريب أو بعيد بالسريالية؛ وإنما هي تعبير عن ثقافة الغرب بما يقتضيه واقع الحال من لغة ذات ثقافة ساذجة أو علمية رصينة.. خُلُقيَّة أو سوقية، وقد تجرُّه المناسبة إلى الرمز الغامض، وتختلط في سياقه أجناس الأدب أسطورة وحكاية وملحمة ونقداً ودراسة.. إلخ مع اختلاط معارف أخرى؛ وبما أنني لم أُنْهِ قراءة الرواية فليس ما أقوله قطعياً، ولهذا آخذ بالتسليم المطلق ما قاله الدكتور ثروت عن خصائصها؛ فهي عنده تُرسي الكتابة اللاوعية.. مع أنها كما قرأتُ كتابةٌ واعية عن ثقافة غير واعية، وقد أسلفت أن العبرة في التلقائية الآلية اللاواعية هي مدلولها بعد الوعي.. وهي عنده ارتشاف من حافظة العقل اللاواعي، وهذا صحيح لو كان المراد تعبيره الواعي عن ثقافة غير واعية، ولا يصح على مذهب السرياليين في دعوى صدور عطاءٍ من اللاوعي، بل (الارتشاف من حافظة العقل اللاواعي) جملة محالة التصور كقول العبثي (شربتُ من الإناء الفارغ حتى الثمالة) وهو يريد حقيقة المعنى لا السخرية، بل السخرية تحيل معنى كلمة العبثيِّ؛ فأي ارتشاف لا تصاحبه حافظة العقل الواعي (لا اللاواعي) وإن كنا لا نعي حالة الارتشاف (لحظة المُخاض) ؟!.. إن العطاء محال من غير صورٍ واعية في ذاكرة العقل؛ لأن ما لا يتصوره العقل: إما غير معروف لدى عقل الفرد، وإما محال كاجتماع الضدين والنقيضين.. وكيف يكون اللاوعي في عطاء جويس وهو قد أَصَّلَ تيار الشعور -لا اللاشعور- من معايشته ثقافة في جملتها غير واعية.. والمراد الثقافات خارج ما هو متفق عليه من العلم المادي.. والتجارب النفسية ليست عطاء من ذات جويس، وإنما هي وعي منه بالتجارب النفسية في الثقافة التي عايشها.. وأما تداعي المعاني الذي ذكره الدكتور ثروت فهو إرث أدبي فكري في ثقافات الشعوب قبل العصر الحديث بما فيه مدة نشأة السريالية ثم اضمحلالها، والله المستعان.

الهوامش

(1) معجم مصطلحات الأدب ص 550.

(2) قال أبو عبدالرحمن: صَمَّمَ أدونيس، والتكريتي، ومجدي وهبة، وعكاشة على كتابة المذهب بهذا الرسم السوريالية.. ويرى الدكتور محمد خير البقاعي أن الواو حركة لا حرف فلا يكتب، وأن الصواب (السريالية).. وهذا شيء لا تصل إليه وسائلي الثقافية؛ فالأمر بعد الله لمن يتقن لغات هذا المصطلح الخواجي منذ اللغة التي اشتُقَّ منها.

(3) معجم مصطلحات الأدب ص 550.

(4) المصدر السابق

(5) قال أبو عبدالرحمن: لا سعة للحرية، بل هي مقيَّدة بالضرورة الفكرية، وبمبدأ التصويت إرادِيّاً.

(6) الرحلة الثامنة ص 133.

(7) قال أبوعبدالرحمن: الصواب المناسب للسياق : (بصفتها وسيلة للارتشاف).

(8) المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية ص452 - مكتبة لبنا، والشركة المصرية العالمية للنشر - لونَجْمان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد