يا قلبَ جدة ما أدماك أدماني |
وما تخطّاك من شكواك وافاني |
أشجاك تيار سيلٍ جارفٍ وأنا |
سيلُ المواجعِ والآلامِ أشجاني |
لما رأيت وجوهاً كنتُ أعرفها |
فيّاضةً بالرضا، بالبؤس تلقاني |
شعرتُ أن جراحَ القلبِ نازفةٌ |
وأن صوتاً من المأساةِ ناداني |
يا قلب جدة يا نبضاً يبادلني |
وجداً بوجدٍ وحرماناً بحرمان |
ما زال يذرفُ شعري دمع أحرفه |
ولم تزل تتساقى الدمع أوزاني |
لما سمعتُ فتى يروي حكايتهُ |
روايةً قرّحت بالدمعِ أجفاني |
كان الفتى عند بابِ الدار تلفحهُ |
من المواجعِ والآلامِ نارانِ |
كان الحزينُ ينادي كل زاويةٍ |
في الدار يرسلُ فيها طيفَ ولهانِ |
يا دارُ، يا قبر أحلامي التي غرقتْ |
في سيل جدة يا موجي وطوفاني |
ويا لهيب الأسى في قلبِ منزلنا |
أراك تحرق أوراقي وأغصاني |
هذي (قويزةُ) قلبي صار يُنْكرها |
وعبَّرتْ هي عن رفضي ونكراني |
ضيَّعتُ فيها عناويني فلا عجبٌ |
إن ضيّعتْ هي بعد السيلِ عنواني |
بالأمس يملأ داري أنسُ ساكنها |
أبي وأمّي وأخواتي وإخواني |
واليوم وحدي -نعم وحدي- تلاحقني |
أشباحُ همّي ويكوي الحزنُ وجداني |
بالأمسِ بتْنا وشمل البيتِ مجتمعٌ |
وراحةُ البالِ والبشرى رفيقانِ |
بتنا نتابعُ أخبارَ الحجيج وفي |
آمالِنا صورةٌ من يومِنا الثاني |
بتنا نصوغُ ليومِ العيد بهجتهُ |
ما بينِ أهلٍ وأحبابٍ وجيرانِ |
غداً سنجلبُ بعد العصرِ أضحيةً |
غداً سألقى بروحِ البشرِ أقراني |
غداً، غداً، هكذا الإنسانُ يطلقُها |
بصوتِ أحلامهِ في كل ميدان |
وما أتاني غدٌ إلا بفاجعةٍ |
لولا يقيني لهدّتْ كل أركاني |
كان الفتى غارقاً في بؤسِ حالتِه |
كطائرٍ كُسرتْ منهُ الجناحانِ |
واسيتُهُ وبقلبي مثلُ لوعتِهِ |
وحسرةٌ لو درى عنها لواساني |
قلتُ: احتسبْ يا أخي واصبرْ وكنْ رجُلاً |
لهُ من الصبرِ والإيمانِ درْعانِ |
كُنْ شامخَ الصبر وارفع للسماء يداً |
فالصبْرُ والراحةُ الكبرى قرينانِ |
لو كان من قدَّرَ الله الفناءَ لهُ |
على رؤوسِ جِبالٍ ذاتِ أكنانِ |
أو في حصونٍ وأبراجٍ مشيدة |
محروسةٍ بسياجاتٍ وحيطانِ |
لنالهُ ما قضى الرحمن من قدرٍ |
يُفْني فقيراً وذا جاهٍ وسلطانِ |
يا من وقفتُمْ على أفواهِ أوديةٍ |
سدّتْ بردمٍ وترصيفٍ وبنيانِ |
لا تجزعوا فلنا في ربّنا عوضٌ |
إذا رآنا على صبرٍ وإذعانِ |
يكفي مواجعنا فضلاً نسرُّ بهِ |
ما يمنحُ الله من عفوٍ وغُفرانِ |
|
|